رغم حملات التسقيط السوداء، محمد صاحب الدراجي يغادر كابينة الحكومة بوجه ابيض، متسلحاً بشهادة النزاهة

بغداد- العراق اليوم:



حين استوزر المالكي حكومته الثانية، وحينما كان يقرأ اسماء كابينته الوزارية في مجلس النواب، وحين اذاع اسماء الوزراء تباعًا، وحين وصل الدور لوزير الإسكان والإعمار المهندس محمد صاحب الدراجي، كان الى جنبي مهندس عراقي مغترب، التفت اليّ قائلًا : أنتظر ما لم تألفهُ تجربةُ الحكم الجديدة في العراق، منذ انطلاقتها، وترقب اداءًا سيدهش الجميع من هذا الشاب، وهذا الأسم الذي سيغير كثيرًا من مجريات العمل في هذه الوزارة، وسيشكل حضوره في كابينة المالكي قفزةً نوعيةً لم تسجلها .

لم اكن وغيري بالتأكيدواثقين من هذا القول، وحاولنا كالعادة بث الشكوك، واستحضار صور الفشل الحكومي التي تحاصر اي انجاز، وتسلب المدافع عن تجربة الحكومات الجديدة قدرته في ايجاد شواخص للدفاع، لكنه وازاء استمرارنا بهذا الهجوم اكتفى بالقول: الايام بيننا !.

قبلنا التحدي، وكنا نراهن على اننا الطرف الذي سيكسب هذا الجدال، بالاستناد على قاعدة الفشل الحكومي العريض الذي تلاحق وتواصل وزارة بعد وزارة. لكن وللإمانة اقولها الآن، فقد خيب ظنونا الدراجي، وهزم سوداويتنا المفرطة، بأداء وزاري لم يسبق له مثيل، وانا مسؤول عن هذه الكلمة أمام الله وامام ضميري، وأمام القارئ  الكريم أذ استطيع القول بأن لم يأت قبل الدراجي ولا بعده وزير استطاع ان ينجز ما انجزه، ويدير ماكنات وزارة مثل وزارة الاسكان والاعمار، كما فعل هذا المهندس الطموح. ولأن الكلام يبقى مجرد حديث مرسل مالم يقترن بارقام وشواهد، فأن من يبحث عن مصداقية كلامنا، عليه ان يراجع التقارير الرقابية والمالية ليتأكد، وتقارير ديوان الرقابة المالية متاحة على شبكة الانترنت وبسهولة. فبعد سنوات طوال من تصدر الوزارة لنسب انجاز سنوي اقل من ٢٠٪؜، قفز هذا المهندس بنسب انجاز فاقت ٨٥٪؜ وبمشاريع اسكانية تجاوزت ال ٤٧٠ مشروعًا توزعت على الخارطة العراقية، وبعد ان كانت الوزارات تعيد تخصيصاته المالية، كانت نسب الانجاز المالي للوزارة الاعلى بين كل الوزارات.

الدراجي الذي كان يواصل ليله بنهاره وبهمة يحسد عليها، وبصمت إعلامي واضح، كان يحتل نسب الصدارة في استصدار القرارات والموافقات من مجلس الوزراء لرفع تخصيصات وزارته، او انشاء مشاريع ستراتيجية وعملاقة. حد ان الوزارة التي كانت ترتبط بها شركات كبرى، كانت خاسرة ومفلسة ومدانة، حولها الى وزارات رابحة، بل وفاقت نسب ارباحها كل تاريخها منذ التأسيس، والشاهد بيننا هو التقارير المالية التي كان يصدرها ديوان الرقابة.

لقد كان الدراجي، الشاب القادم من اوربا، مثالًا -وخير مثال عن معنى الوزير التكنوقراط الحقيقي- حتى وان اتى عبر حصة تيار معين او رشحته جهة سياسية ما، لكن وللإمانة كانت هذه الكتلة قد نجحت في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعد ان كفرت اغلب القوى السياسية بهذه المقولة التي كنا نسمع بها ولا نراها!.

الدراجي :ضحية نجاحه !

في السياسة والعمل الوظيفي، فأن القاعدة ان يدفع المرء ضريبة فشله واخفاقه، فيعاقب ويعزل ويبعد، اما ان تكون القاعدة (محاربة الناجحين وابعادهم)،فذلك لأن ثمة دولة خفية تعمل بصمت وشراسة، وهي متضامنة في هدفها، متعاونة مع بعضها بدرجة مذهلة، فهي لا تريد ان يبرز  أي ناجح، وان لا يتسيد اي كفوء ونزيه، فيقوض من سلطتها العميقة شيئًا، او يسلبها مكاسبها التي تجنيها مكسبًا، فكانت هذه الدولة الخفية المرعبة، تسقط خصومها بطريقة سهلة، وكما يفعل الشيطان ذاته، تلوح لهذا بالجزرة، فيهرول الى المغانم والمكاسب، ليكون جسرًا تعبر عليه الى هدم ما تبقى من بناء، وتغوي ذاك بما يغريه ويسيل له لعابه، وتستخدم العصا الغليظة مع القسم الثالث، ليركع لها، ويستسلم لمنظومتها الرهيبة.

وفي تجربة الدراجي الناجحة، استفرت هذه القوى طاقاتها، وجهدت بكل ما اوتيت من بأس، لتضع عصيها في العجلة التي ادارها هذا الوزير، الا أنه غلبها، بعد ان حول عجلته لدولاب عملاق يعمل بهدوء ونظام ودقة، فاسقط ما في يدها، لكن تلك القوى لا تستسلم بسهولة ابدًا، وهي الممتدة في كل هياكل الدولة ومؤسساتها، فكانت ان تربصت بالرجل وحاربته بقوة ، فمرةً تُستأجر الاقلام لشن حملات منظمة ضده، ومرة تدفع لقوى الارهاب كي تغتال هذا النموذج الناجح، ومرة بتحريض سياسي تحاول اسقاطه سياسياً، واخر باغراء واستمالة، وهكذا، وحين فشلت هذه الدولة، انتظرت الوقت المناسب للانقضاض على خصمها.

ما يُحسب للدراجي، هو شجاعته الفائقة في المواجهة، فهو الرجل الوحيد الذي استطاع كشف ملامح هذه الدولة، واستطاع الافصاح عما تقوم به من دور تخريبي في البلاد، وكيف انها معششة كالطفيليات في بطن الدولة، تأكل منها وتخرب!.

ما فعله الدراجي بالدولة الخفية، كان هو الضربة الاستباقية لما يعرفه من اساليبها القذرة في الهجوم، واسقاطها لخصومها، فكان ان عرف الشارع السياسي، وقبله الشارع الشعبي، اساليب تلك الدولة وشخوصها ومنظوماتها.

وهنا يبدو ان الدراجي قد تجاوز كل الخطوط الحمراء، وداس على خط دفاع تلك المنظومة الأخير، وحاربها في (رزقها)! بل وراح يشخصها بالإسم، وهو امر لم يحصل معها من قبل، فمن هو هذا “ الفتى الدراجي" ليتجاسر على هذه "الدولة" القوية المرعبة ويحاربها في عقر دارها، خاصة وان التهديد قد وصل حدًا سينتهي بفضح هذه الدولة ومن يقف ورائها، وهذا يعني ان الجميع بات في خطر.

لذلك شنت وسائل إعلامية متنوعة ومتعددة ومتقاطعة، هجوماً اعلامياً مكثفاً ضد الدراجي، تشهيرًا وقذفًا وانتقاصًا وتشكيكًا وغير ذلك من اساليبها الوسخة، حد بث الاشاعات والدعايات عن موت الرجل واصابته وكذا وكذا.. وتلك هي اساليب الدولة الخفية ودهاليزها.

في انتخابات مجلس النواب في ٢٠١٤ كان الدراجي رقمًا صعبًا اضاف لهم اتباع الدولة الخفية همًا جديداً وزادها قلقًا باحتمال استعادة تجربته في الحكومة، ولذا جهدت ان تمنع استيزار الرجل مرةًاخرى، ونجحت بابعاده عن الوزارة، ولم تكتف بما فعلت، بل ظلت تلاحقه وهو نائب يؤدي دوره الرقابي. فكانت الحملات مستمرة رغم ان لا شيء على الارض، ولا ما يستدعي ذلك، ولم يتم الكشف عن اي ملف من ملفات المشاريع المنفذة وفيه ما يدين محمد صاحب الدراجي، لكن الشعار الذي كانت ترفعه هذه الدولة: التسقيط…التسقيط، لا شيء سوى ذلك، فهو السبيل الامثل للاخضاع، او الابعاد، او القتل المعنوي.

ويبدو ان الدولة الخفية اخفقت لاحقًا حين نجح الدراجي في نيل الثقة مرةًاخرى في ٢٠١٥ وزيرًا للصناعة في حكومة العبادي، وهذا ما افقد هذه الدولة صوابها، وايقنت ان الامور تسير الى انكشاف امرها، بل وتدمير شبكاتها، خصوصًا مع الخطوات الجريئة التي اقدم عليها الدراجي لاصلاح واقع هذه الوزارة التي فتكت بها القوى الخفية اشد ما يكون الفتك.

استنفرت القوى المتحالفة سرًا قواها، وغذت السير الى هدفها وهي لا تلوي على شيء، قدر ما ازاحة الرجل من مكانه، فقد سدد لها ضربات ما عادت تقوى على تحملها. فنجحت ويا لشديد الأسف بابعاد الدراجي عن الصناعة، لكنها لم ولن تستطيع ان تبعده عن مسيرته الوطنية المشرفة، وهو الذي بات اقوى عودًا واصلب عقيدةً  في ضرورة تخليص الدولة والمجتمع من شرور هذه الآفة التي لا تريد للعراق ان يتعافى. ان ما سردناه من سيرة مقتضبة لمسيرة وزير عراقي كان يمكن ان تتكرر لو امتلك الكثيرون شجاعة الدراجي وصلابته في مواجهة المحبطات والمثبطات وتغلب على المغريات .

ختامًا نشير الى ان ( العراق اليوم) نشر في سلسلة حلقات متتالية كتاب محمد صاحب الدراجي عن الدولة الخفية وقد لاقت متابعة كبيرة من قبل الجمهور الذي كان على موعد مع مسؤول حكومي بحجم الدراجي وهو يكشف اسرار ابقتها المصالح والمخاوف حبسية الادراج، حتى وان ادرك الجميع ان بقاء هذا للوباء سيقود البلاد الى الهلاك.

ختاماً نقول شهادتنا التي هي جزء لا يتجزأ من شهادة الجميع، بدءاً من شهادة هيئة النزاهة، مروراً بالرقابة المالية، وليس انتهاء بآراء العاملين البسطاء والموظفين الذين عملوا بمعية هذا الرجل، وكلها تشير وتؤكد ان الرجل خرج من الوزارتين ابيض الوجه ، نزيه اليد، عفيف القلب، ناصع الضمير، وطاهر الثوب، اما رجال الدولة الخفية واعلامهم المشترى، ومعهم بعض المغفلين فلن يسمعهم احد، لأن الجميع - خلاص- عرف الحكاية، وفهم الرواية ولن تنطلي اللعبة، او تمرر الأكاذيب!

علق هنا