الحزب الشيوعي الأردني : حزبنا يشارك في اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية بمناسبة ثورة اكتوبر الإشتراكية العظمى

بغداد- العراق اليوم:

بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى التقت وفود تمثل مائة وثلاثة أحزاب شيوعية وعمالية من قارات العالم كافة، ومن ضمنها حزبنا الشيوعي الأردني، في مدينة سانت بطرسبورغ (ليننغراد) في الفترة ما بين 2-3 تشرين ثاني الجاري.

وقد أتيح المجال لجميع المشاركين لإلقاء كلمات أفردت حيزاً واسعاً للحديث عن ثورة اكتوبر بعد مئة من انتصارها في أضعف حلقات النظام الرأسمالي العالمي آنذاك وعن المسار المتعرج الذي سلكته طيلة الفترة الممتدة حتى تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الإشتراكية في أوروبا الشرقية والوسطى. كما جرى حديث مستفيض شاركت فيه غالبية الوفود حول مآلات هذه الثورة والدروس والعبر التي وفرتها تجربة البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي للحركة الشيوعية والعمالية العالمية في العالم.

وقد ألقى ممثل حزبنا، عضو مكتبه السياسي الرفيق نضال مضية كلمة ، فيما يلي نصها :

يشرفني أن أنقل أحر تحيات وأطيب تهاني اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي الأردني الى ممثلي الأحزاب الشيوعية والعمالية المتواجدين في هذا الاجتماع الهام، وأخص بالذكر الرفاق الأعزاء في الحزب الشيوعي الروسي، بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى، التي لا زالت، رغم الانتكاسات المؤقتة التي حصلت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، الحدث الأبرز على امتداد القرن العشرين بأكمله، ولا زالت أفكار وقيم ومُثل أكتوبر العظيم تشكل مصدر الهام لأحزابنا الشيوعية، وللعديد من قوى اليسار والإشتراكية والتقدم الاجتماعي في العالم اجمع.

لم يسبق لحدث في التاريخ أن استرعى اهتمام البشرية مثلما كان حدث اكتوبر. ولم يسبق لثورة عبر العصور أن مارست هذا القدر من التأثير على مقدرات الإنسانية، مثلما فعلت ثورة اكتوبر. فهذه الثورة التي جاءت تجسيداً لانبل ما حلم به مفكرو الإنسانية، وتتويجاً لنضالات الشعوب وأمانيها في الحرية والانعتاق، قد دشنت عالماً جديداً وحكمت بالفناء على عالم الظلم والقهر.

ان الانتصار الكبير الذي حققه البلاشفة في ثورة اكتوبر أدى الى حدوث تبدلات عميقة وسريعة في روسيا القيصرية ثم في الاتحاد السوفياتي فيما بعد. وخلال بضع سنوات تم انشاء صناعة ثقيلة متطورة تمكنت من الصمود والحاق الهزيمة بالنازية في الحرب الوطنية العظمى، والقضاء على علاقات الانتاج نصف الاقطاعة وجرى تغيير جذري في حياة المجتمع وعلاقاته.

لقد مارست ثورة اكتوبر منذ انطلاقتها تأثيراً عاصفاً على الوضع العالمي برمته وارتادت دروباً لم تسلكها البشرية من قبل ورسمت بأفكارها ومثالها الحي خريطة التطور السياسي والاجتماعي للبشرية أجمع.

أيها الرفاق الأعزاء

يستحيل تصور الثورة الإشتراكية سواء في روسيا أو في بلد آخر بدون الجهد النظري الخلاق والممارسة العملية المبدعة لمفجر الثورة وقائدها الزعيم الخالد فلاديمير ايليتش لينين، الذي أنكب طيلة حياته على تطوير النظرية الماركسية في مرحلة انتقال الرأسمالية الى مرحلتها الأعلى الامبريالية، وصاغ على نحو شامل ومتكامل نظرية الثورة الاشتراكية وحدد شروط انتصارها، والتي تأتي في مقدمتها ضرورة بناء حزب ثوري من طراز جديد، يشكل نقيضاً وبديلا للأحزاب الاشتراكية التي خانت قضية الثورة الاشتراكية وانحازت الى جانب البرجوازية وتبنت النزعات الاصلاحية.

إن أي محاولة اليوم للتنكر الى الأحكام والقواعد اللينينية في بناء الحزب الثوري، والتخلي عن المنهج الجدلي المادي الذي وضعه ماركس وانجلز وطوره لينين عند رسم الحزب الثوري لاستراتيجيته وتكتيكاته يحيل الحزب الذي يتخلى عن ذلك الى حزب إصلاحي مفتقد لروحه الثورية.

لقد أولى لينين قضية الديمقراطية اهتماماً خاصاً، وطرح ديمقراطية أرقى من ديمقراطية البورجوازية قوامها الصدق والشفافية في التعامل مع الجماهير، واقترح نموذجاً يقرن الحرية بالمعرفة المستنيرة، ديمقراطية تحظر استغفال الجماهير وتزييف وعيها. لقد أفسح لينين المجال للرأي الأخر وتسامح مع تباينات الآراء وكان أوسع أفق وأكثر خبرة للنفسية البشرية، بل طالما استشار في تكتيكاته مواضيع علم النفس الاجتماعي.

ما أحوج احزابنا اليوم الى استلهام هذا النموذج اللينيني للديمقراطية، وخاصة أن النضال من أجل الديمقراطية والحريات العامة تحتل أولوية قصوى، ولا أبالغ إن قلت، في برامج جميع الأحزاب الشيوعية والعمالية الشقيقة، ومن ضمنها بطبيعة الحال حزبنا الشيوعي الأردني.

ان النكوص عن المنهج اللينيني الديالكتيكي في سياق عملية البناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، وعدم مراعاة ما صاغه من تصورات نظرية هامة راعت الظروف الموضوعية القائمة وما شدد عليه دائماً بضرورة أخذ الظرف الملموس بعين الاعتبار عند صياغة استراتيجية وتاكتيك الحزب الشيوعي في مختلف المراحل أدى في خاتمة المطاف مع عوامل أخرى عديدة الى تغييب الاتحاد السوفياتي واختفاء المنظومة الإشتراكية.

 

ان غياب الاتحاد السوفيتي دشن لنظام دولي جديد جائر بحق الشعوب. برزت ايديولوجيا نهاية التاريخ وصراع الحضارات، كما نشطت ايديولوجيا السوق والخصخصة وانسحاب الحكومات من وظيفتها الاجتماعية وفتح الأبواب على مصاريعها لنشاط الرأسمالية المتوحشة. ظهر اتجاه المسيحية الأصولية والمحافظين الجدد ينادون باسم الليبرالية الجديدة بوأد الليبرالية القديمة. فعلاً تخلت البرجوازية الاحتكارية عن الديمراطية في الداخل، بعد أن ركلت بأقدامها الحديدية الديمقراطية في العلاقات الدولية. دعا المحافظون الجدد الى قرن امريكي سداه الهيمنة المطلة على مقدرات الشعوب، وتوتير بؤر التوتر في انحاء العالم.

ايها الرفاق الأعزاء

نحتفي في الأردن مع سائر قوى الاشتراكية والتقدمية بمئوية ثورة اكتوبر في ظل أوضاعٍ سياسية واقتصادية غاية في التعقيد والصعوبة. ولم يسبق أن بلغ القلق في المجتمع الأردني المستوى الحالي من مختلف النواحي السياسية والإقتصادية الإجتماعية على السواء.

أن جزءاً اساسياً من الصعوبات والمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الأردن نجمت وتنجم عن السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة والتي من بينها، وفي مقدمتها الارتباط التبعي اقتصادياً بالدول الاستعمارية، الولايات المتحدة وبريطانيا بالدرجة الاولى. وثانياً الخضوع المستمر لاملاءات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الاخرى والرضوخ لتوجيهات وتعليمات الدول المانحة. فالأردن، اعتمد منذ نشأته على القروض والمنح الخارجية والتزم بتعلميات المانحين والمؤسسات التابعة لهم.

كما تعاني البلاد من التراجع الحاد في الحريات العامة وزيادة الضغوط الأمنية على القوى الوطنية والديمقراطية، والتضييق على حرية التعبير والتنظيم، والضغوط المتتالية على الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والتجاوز الشديد على قوانين الأحزاب والاجتماعات العامة.

أما على صعيد منطقتنا العربية، فيمكن التاكيد بأن التطورات المتلاحقة في المنطقة رغم الحروب وسفك الدماء والخراب والدمار الذي لحق بالعديد من الدول، لا سيما سوريا، يؤكد ان واشنطن فشلت في تغيير المعادلات السياسية في المنطقة أو تغيير خرائطها السياسية ويؤكد انتهاء تفرد واشنطن في الشؤون الدولية وتقدم الدور الروسي في هذا المجال، وزيادة دور الدول ذات الارادة المستقلة في معالجة شؤونها. ولا يوجد في الأفق ما يشير الى ان ادراة ترامب قادرة على وضع خطة لتعطيل مسار الاحداث في المنطقة وفي سوريا تحديداً، رغم انه ما زال بامكانها ومن خلال بعض حلفائها لا سيما تركيا إثارة متاعب جدية لسوريا والعراق. ورغم تعقيد التطورات وتداخلها ورغم الصعوبات التي ترتبت وتترتب على المعركة الدموية القاسية في منطقتنا فلا بد من التوقف عند الأمور التالية :

لقد سقطت كل محاولات واشنطن في املاء سياسة الطاقة في المنطقة من خلال فرض اشكال استغلال وتسويق الغاز، وبالتالي ستحقق دول المنطقة حرية أكبر في استغلال هذه الثروة والتعامل معها، وان الاهتمام الكبير حالياً باعادة اعمار سوريا، والبحث الدولي العميق والعملي حول هذا الموضوع يؤكد هذه النتائج.

تعزيز الاستقلال الوطني لكل من سوريا والعراق، وتحول الدولتين الى محور هام وأساسي في اعادة بناء العلاقات العربية المتبادلة على قاعدة العمل العربي المشترك سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وامنياً، واعادة دور أكثر استقلالية وحكمة لجامعة الدول العربية أو لأي منظمة بديلة تستهدف تحقيق ما كانت تهدف الجامعة الى تحقيقه.

تكوين مناخ مؤات وفعال لدعم نضال الشعب العربي الفلسطيني في تحقيق أهدافه الوطنية وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، واستخدام النفوذ العربي الجديد من أجل تحقيق ضغط دولي على اسرائيل للالتزام بالقرارات الدولية والتخلص من الرضوخ للاملاءات الأمريكية ووحدانية دورها في معالجة القضية باعتبارها قضية العرب الأولى.

ان ما يحدث اليوم في منطقتنا العربية والعالم ما كان ليحدث، لولا السياسات المتبعة في الرأسمالية العالمية والدور البوليسي الاجرامي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقود العالم، من أزمة الى أزمة فمواقفها في أمريكا اللاتينية ، وتراجعها عن مواقفها في كوبا، وتهديدها لفنزويلا والتهديد من الخروج من الاتفاق الدولي مع ايران وتأزيم الوضع معها والمناورات العسكرية الكورية الجنوبية واليابانية، وتهديد كوريا الشمالية، وتدمير العلاقات مع سوريا الاتحادية كل ذلك يضع العالم امام مخاطر جدية للدخول في حروب وصراعات قاتلة في العالم.

ايها الرفاق

إن انعقاد هذا الاجتماع الحاشد لممثلي الأحزاب الشيوعية الشقيقة في هذه المدينة البطلة التي منها انطلقت الشرارات الأولى للثورة الاشتراكية تمتلك قيمة رمزية شديدة الأهمية، يثبت أن الانكفاء المؤقت للقوى الاشتراكية في روسيا، والجمهوريات السوفياتية السابقة وفي عدد من بلدان أوروبا الشرقية والوسطى لا يعني على الاطلاق أن الرأسمالية باتت هي الخيار النهائي للبشرية، كما يروج أيديولوجيو البرجوازية الاحتكارية في الغرب الرأسمالي، وان الاشتراكية، بما تمثله من نزوع للتحرر من شتى أشكال الاستغلال والعبودية الناجمة عن الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، وتوق للحرية الحقة والديمقراطية الحقة اللتين لا يمكن للشغيلة والكادحين ان ينعما بهما في ظل النظام الرأسمالي، بل فقط في ظل نقيضه وهو النظام الاشتراكي.

فالوقائع تؤكد أن الاشتراكية لم تفشل وكذلك الاشتراكية، بل الذي حصل أن تجربة محددة في ظل ظروف قاسية ومحددة منيت بهزيمة.

ان تطور الاحداث العالمية، وازدياد الاهتمام بالنظرية الماركسية، وخاصة بعد اندلاع الأزمة الرأسمالية الحادة الأخيرة يؤكد أن هناك انتكاسة وليس هزيمة قد لحقت بالاشتراكية وهي لا زالت قادرة على ان تجدد نفسها بأسلوب آخر.

وستبقى الاشتراكية مطلباً للبشرية لانها النهج الوحيد القادر على تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية والاجتماعية الحقيقية.

عاشت الذكرى المئوية الاولى لثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى

عاش تضامن شعوب وشغيلة العالم واحزابهم الشيوعية في مواجهة الامبريالية والصهيونية والرجعية.

علق هنا