أشهر شاعرة كردية في العالم تتساءل: هل هناك فرق بين الاستبداد العربي والدكتاتورية الكردية؟

بغداد- العراق اليوم:

حذرت السياسية والشاعرة الكردية المعروفة جومان هردي من أن كردستان العراق تواجه خطر تزايد قبضة الدكتاتورية مع اتجاهها نحو الاستقلال بعد الاستفتاء الأخير المثير للجدل، لافتة في الوقت ذاته لفشل حكومة الإقليم في ترسيخ مقومات الدولة منذ تولت مقاليد السلطة قبل ربع قرن. وقالت هردي: وهي أستاذة مشاركة بالجامعة الأميركية في السليمانية بشمال العراق في مقال لها بموقع "ميدل إيست أي" البريطاني: لقد استقطب الاستفتاء من أجل الاستقلال دعماً كبيراً داخل المجتمع الكردي، خصوصاً بعد اتحاد القوى الدولية والإقليمية ضد هذه الخطوة. إذ يعتقد غالبية الأكراد أنَّهم أخيراً قد أُتيحت لهم الفرصة للتصويت من أجل تقرير مصيرهم، وإنهاء الاندماج القسري والتعسفي مع العراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى. إلا أنها لفتت إلى أن آخرين يعتقدون أنَّ الاستفتاء، في ظل الظروف الراهنة، لا يؤدي سوى لصرف الأنظار بعيداً عن فشل حكومة إقليم كردستان في التصدي للفساد، وتوفير الأمن الاقتصادي لشعبها، وبناء نظامٍ ديمقراطي. وبسبب انهيار الثقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، "هدَّد" مسعود البارزاني، "الرئيس" المثير للجدل لإقليم كردستان، بتنظيم استفتاء من أجل الاستقلال عدة مراتٍ من قبل. وأشارت إلى أن الاستفتاء أقيم بعد أن قاتلت قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي جنباً إلى جنبٍ ضد تنظيم (داعش) وفي الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليون لاجئ ومُشرَّد داخلياً في كردستان. كما سبق الاستفتاء قرار بغداد بحجب حصة قدرها 17% من الموازنة الاتحادية عن إقليم كردستان – رداً على صادرات الأخيرة من النفط – الأمر الذي نظر له باعتباره محاولة لإدخال إقليم كردستان في مصاعب اقتصادية شديدة.

تمديد بعد تمديد

ولفتت الشاعرة الكردية إلى أن البارزاني كان قد انتُخِب رئيساً لكردستان في عام 2005. وبعد تولِّيه فترتين رئاسيتين تبلغ كلٌ منهما 4 سنوات، جرى تمديد رئاسته في عام 2013 بشرط أنَّه لن يترشَّح للمنصب ثانيةً. وأخيراً، انتهى تمديد البارزاني في 20 أغسطس/ آب 2015، لكنَّه رفض التنحِّي. وفي مقابل ذلك، قادت المجموعة المعارِضة الرئيسية المُسمَّاة كوران (حركة التغيير) الجهود الرامية لإصلاح قانون الرئاسة، الذي يمنح الرئيس سلطات مطلقة، وكذلك الجهود الرامية لإنهاء رئاسة بارزاني المخالِفة للقانون. وكنتيجة لذلك عاقب الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البارزاني حركة كوران، وعُلِّق البرلمان، واستُبعِد وزراء الحركة من حكومة الإقليم.

بم يخبرنا التاريخ؟

تقول جومان هردي: يُنظَر إلى إجراء استفتاءٍ في ظل هذا السياق كحركةٍ مثيرة للشكوك من جانب البارزاني، الذي، وبإذعانٍ من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قوَّض العملية الديمقراطية واتَّخذ خطواتٍ استبدادية متزايدة باتجاه الديكتاتورية". ويجادل مؤيدو الاستقلال بأنَّ الديمقراطية "تستغرق وقتاً" و"أنَّنا لا يمكن أن نتوقع حدوثها بين عشيةٍ وضحاها". وأنَّه بمجرد تحقيق هدف إقامة الدولة، سيكون بإمكاننا استئناف عملنا من أجل بناء ديمقراطية. إلا أنها ترى عكس ذلك قائلة "يخبرنا التاريخ خلاف ذلك: فإذا ما بنيت دولة تُقوَّض فيها المبادئ الديمقراطية بسهولة، سينتهي بك الأمر مع ديكتاتورية، ونظمٌ كتلك لا يمكن تغييرها سوى بإراقة الدماء". وتضيف "تصبح القضية أكثر تعقيداً حين ننظر إلى ما يلزم لبناء دولة صالحة للاستمرار. ويُجادل منتقدو الداخل بأنَّه من أجل إقامة دولة، لابد من تلبية المتطلَّبات المسبقة لإقامة الدولة. وأشارت في هذا السياق إلى أن حكومة إقليم كردستان كانت قد أُسِّست عام 1992. وبعد مرور 25 عاماً، لا تزال لم تنجح في حل المشكلات الأساسية كنقص المياه والكهرباء. ولا يمكنها توفير الأمن الاقتصادي الأساسي لشعبها. ولديها أكثر من 20 مليار دولار من الديون. وفشلت في التصدي للفساد الذي يستنفذ موارد الإقليم. وأخيراً، لم تُوحِّد قوات البيشمركة التي لا تزال تابعة لأحزابٍ سياسية مختلفة.

تنحي البرزاني

ورأت الشاعرة الكردية أنه كان من الممكن اتخاذ خطواتٍ كبيرة نحو بناء الدولة إذا ما كان البارزاني قد تنحَّى وسُمِح للبرلمان بمواصلة عمله. ولو كان البارزاني فعل ذلك، لكان هو القائد الذي يُوحِّد الشعب بدلاً من تقسيمه". وكان يمكنه أن يحترم القانون الذي أعدَّه ووقَّع عليه حزبا الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وكان يمكنه أن يقول، تماماً كما قال أوباما عند سؤاله بشأن تولِّيه فترة رئاسية ثالثة في الولايات المتحدة، "أعتقد في حقيقة الأمر أنَّني رئيس جيد وأعتقد أنَّني إذا ما ترشَّحتُ من جديد سأفوز، لكن لا يمكنني ذلك". وكان يمكنه أن يصبح القائد المُلهِم الذي استخدم سلطاته – الرمزية وغيرها – لتوحيد قوات البيشمركة والتصدي للفساد. لكنَّه اختار فعل العكس، وقد يقود، وبإذعانٍ الأحزاب السياسية الأخرى، شعبه إلى مواقف أسوأ.

"فليمت شعبنا"

يضع إصرار البارزاني على اتخاذ خطواتٍ أحادية نحو الاستقلال، الشعب الكردي في موقفٍ صعب. ويُنظَر لأولئك الذين يُصوِّتون بـ"لا"، أو الذين يرفضون التصويت، باعتبارهم خونة، يخونون القضية الكردية، في حين سيكون على أولئك الذين يُصوِّتون بـ"نعم" تحمُّل مسؤولية النتيجة. وفي مقابلةٍ في شهر يونيو/حزيران 2017 مع مجلة فورين بوليسي الأميركية، ردَّ البارزاني على سؤالٍ بشأن خطة حكومة إقليم كردستان إذا ما أصبح الإقليم معزولاً، قائلاً: "سنُفضِّل الموت جوعاً على العيش تحت قمع واحتلال الآخرين. إذا ما اتُّخِذ هذا الخيار من خلال الاستفتاء، وكان رد الفعل هو عزلنا، فليمت شعبنا". ويقول المُشكِّكون إنَّ القيادة لن تكون هي مَن يواجه الجوع والحرب، ولذا فمن السهل على البارزاني قول ذلك. في إشارة إلى أن الشعوب هي التي تواجه تداعيات تصرفات الحكام".

هدف البارزاني الحقيقي

وتقول الشاعرة الكردية "إنَّ غياب الشروط الأساسية الضرورية لإقامة دولة – المتمثلة في بنية تحتية اقتصادية، ومؤسسات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية مستقرة ومستقلة، وبيشمركة وقوات أمنية متحدة – جنباً إلى جنبٍ مع الافتقار للدعم الإقليمي والدولي لقيام دولةٍ كردية، يجعل بعض الأكراد متشكِّكين في نوايا البارزاني". إذ يبدو أنَّ هدفه الحقيقي هو النجاة السياسية، وليس الاستقلال الكردي. ويُمثِّل الاستفتاء طريقته لوضع سؤال الشرعية الذي يُهدِّد رئاسته على الهامش، وهو الشيء الذي يُكلِّفه رأس مالٍ سياسياً، ويُضعِف الاحتمالات المستقبلية للعب دورٍ قيادي دستوري في الحياة السياسية الكردية. وسيعني وجود كردستانٍ مستقلة، حتى ولو كان فشلها ذريعاً، بداية جديدة بالنسبة له. لكن حتى لو أعلن البارزاني الاستقلال، بالرغم من الظروف الداخلية والخارجية غير الملائمة، فإنَّه إذن سيخاطر بالأمن السياسي والاقتصادي للشعب. تقول جومان هردي "ما من شكِ أنَّ غالبية الأكراد يرغبون في الاستقلال، لكنَّ السؤال هو ما نوع ذلك الاستقلال. شخصياً، لا أعتقد أنَّ بناء دولة وبناء ديمقراطية يجب أن يُنظَر إليهما كعمليتين منفصلتين. كما لا أعتقد أنَّ ديكتاتوريةً كردية ستكون أفضل من ديكتاتورية عربية أو تركية. بل أرى أنَّ الاضطهاد من جانب شعبك هو أسوأ. وتختم مقالها قائلة "لن تكون الدولة الكردية، إذا ما وُجِدت دولة كردية، ذات معنى إلا إذا كانت مختلفة عن حكومة إقليم كردستان، بعيداً عن عيوبها وفشلها في ما يتعلَّق بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين. فالنضال هو مجرد بداية".

علق هنا