تركيا والذهاب الى الأزمة

بغداد- العراق اليوم:  

علي حسن الفواز

تركيا تذهب للأزمة، أو  الى مايشبه الحرب الأهلية. هذا الذهاب ليس  سوى جزء من  لعبة الافراط والغلّو بالسلطة، أو التوهم بأن الديمقراطية غير خاضعة للتدوال المفتوح في أجندة  حزب العدالة والتنمية ذي المرجعيات الأخوانية.

أخونة السلطة قد تكون خيارا، وربما ستكون في قابل  الأيام نوعا من البروباغندا لصناعة  (ولي الأمر) غير الخاضع لحسابات الديمقراطية ولتداول السلطة عبرها، لأنه سيكون فوق السلطة أصلا.

ولعل أحداث معركة الموصل كشفت عن هذا الغلو من جانب، وكشفت عن المرجعيات الطائفية التي يتكىء عليها نظام الحكم في تركيا، وبقطع النظر عن التبريرات الأمنية والسياسية، فإن شهوة السيطرة، وفرض سياسة الأمر الواقع هي الخيار الملتبّس الذي لجأت اليه تركيا الاردوغانية، وهو ما أكده قيام الحكومة التركية باستضافة مؤتمر(طائفي) في اسطنبول  تحت شعار(نداء الموصل) وبمشاركة من شخصيات عربية وقبلية وطائفية لاتملك سوى الشعارات الطائفية، وتدعو تركيا علنا للتدخل بالشأن العراقي.

المسألة التركية ليست بعيدة عن المراقبين، وأنّ مايحدث فيها من صراعات ومشكلات تمسّ جوهر النظام السياسي، يكشف عن عقدة السيطرة، وعن علاقة هذه العقدة بالأجندة الطائفية التي يحاول البعض تسويقها، وفرضها وكأنها هي البديل عن ضرورات احترام سيادات الدول وخياراتها الديمقراطية والوطنية.. فما يجري في تركيا اليوم من صراع أثني، ومن تصفيات تقوم بها الجماعات الاردوغانية ضد ماتبقى من جماعة(فتح الله غولن) والذي هو(صاحبه العتيد) يضع الرهان على الاستقرار الداخلي موضع الشك والريبة، وهو ماأكدته القنصلية الأمريكية في اسطنبول التي طلبت من موظفيها اخلاء مواقعهم خشية تعرضهم لأعمال أمنية..

كما أنّ الصراع مع جماعات المعارضة السياسة يكشف أيضا عن رفض عميق لسياسات اردوغان، والخشية من التورط في حربٍ اقليمية يُطيح بالأمن المجتمعي، وأحسب أن التهديد بالتدخل العسكري في تحرير معركة الرقة، و معركة تحرير الموصل، أو إتبّاع سياسة الاستفزاز الأمني يؤكد هذا الهوس المحموم بالمغامرة غير محسوبة النتائج رغم  وجود معارضة دولية واسعة لهذا التدخل.

إنّ الرعب الاردوغاني ينطلق من أوهام لايصدّقها سوى أردوغان ذاته، فهو تارة يتهم الولايات المتحدة بضلوعها في المحاولة الانقلابية، والتستر على غولن من خلال حمايته داخل الولايات المتحدة، كما أنّ أوهامه عن عملية ضبط مسارات عملياته الامنية ضد حزب العمال الكردستاني التركي تقوده الى ارتكاب المزيد من الحماقات، والتورط العلني في حروب، آخرها ماسميت بعملية (درع الفرات) والتي تقوم على أساس دعم جماعات (معارضة) سورية، هي في جوهرها جماعات ارهابية مدعومة ومُسلحة من قبل تركيا، كما أنّ رفض الولايات المتحدة مشاركة تركيا في عمليات تحرير مدينة الرقة كما هو مُعلن، يكشف عن  مأزق الثقة بتركيا، ومأزق للجماعات المعارضة التي تدعمها، لأن تفرد قوات(سوريا الديمقراطية) وهي في أغلبها جماعات كردية بدعمٍ من التحالف الدولي في العملية يعني ايجاد بؤرة أمنية ستهدد حسابات تركيا في الجنوب، وتضع القضية الكردية السورية مجددا على الطاولة وسط رفض تركي دائم.





تركيا والتصفيات الداخلية

مرحلة ما بعد الحركة الانقلابية الفاشلة جعلت الحكومة التركية أمام حسابات أمنية وسياسية أكثر تعقيدا، وأمام معطيات من الصعب السيطرة عليها، فما جرى أسهم في تفكيك الشارع التركي، وخلخل سياق النظام العلماني التركي واضعف شعار المناداة  بالحريات والحقوق العامة، إذ عمدت الأجهزة الامنية التركية، وبإشراف مباشر من أردوغان بتصفية واسعة للعديد من المؤسسات الاعلامية المعارضة مثل (زمان وأوزغور غونديمو جمهورييت) وكذلك القيام بعمليات تطهير غير مسبوقة داخل الاجهزة الامنية والقضائية والتعليمية والبلدية، ومنها عزل رئيسة بلدية ديار بكر غولتان قيشاناق ذات الأغلبية الكردية، والذي عد انقلابا كاملا على صندوق الاقتراع التي طالما اعتبره أردوغان معياراً للديموقراطية، فضلا عن حملة الاعتقالات التي جرت مؤخرا  ضد رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمير طاش وفيغين يو كسيك داغو رئيس كتلة الحزب في البرلمان ادريس بالوقين والذي قابلته الجماهير بالمزيد من الرفض والاحتجاج والتظاهرات الكبيرة.

هذه الأحداث أوجدت فجوة كبيرة في الشارع وفي المؤسسات، مثلما خلقت واقعا مأزوما قابلا للتفجّر في أية لحظة، وهو ما أكده كمال كليشدار  أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري قائلا:  لايُوجد اليوم نظام كهذا في العالم، أردوغان يريد تعيين المحافظين، ويريد تعين القضاة، ويريد أن يقول الأمر لي وحدي، ويريد أن يتفرّد بكل شيء. هذا ليس موجوداً في كل العالم إلا في النظام الهتلري الذي أغرق العالم بالدماء.

خيارات اردوغان للسياسات الصعبة، وللمغامرة بمصيره السياسي يضع تركيا أمام مفترق طرق، فلا هي ستذهب للإتحاد الأوروبي كما يريد المزاج العلماني، ولا هي ستعطي لتركيا دورا أكبر من حجمها في (قيادة) العالم الاسلامي السُني، لأنّ هذه الخيارات تكون صعبة وسط صراعات داخلية آخذة  بالتضخم، ووسط تقلطعات دولية كبرى، فضلا عن ان مسالة  الفشل الاقليمي في ادارة ملفات أخرى، لم تزل مفتوحة كما في اليمن وسوريا ولييبا، لا سيما وأنّ الدخول الروسي العسكري والسياسي على مسار الأزمة، قد غيّر الكثير من الستراتيجيات والخيارات في المنطقة، فضلا عن أنّ المعطيات الأمنية الكبيرة التي تنجزها القوات الأمنية العراقية في تحرير العديد من المدن وأهمها مايجري من عمليات مدعومة دوليا في الموصل وضعت تركيا- في خانق ضيق- من الصعب الخروج عنه، وهو ما دعاها للتورط  في سياسات موتورة تقوم على التدخّل في شؤون الدول  الأخرى.

صحافةعراقية

علق هنا