10 سنوات على ويكيليكس: وثائق عراقية في فم الفضيحة

بغداد-العراق اليوم: مضت عشر سنوات على تأسيس ويكيليكس، كان للعراق ومن ضمنه كردستان نصيبا مهما في أسراره التي فضحت الكثير من الملفات التي شكّلت مفاجأة لما احتوته من مواقف وعلاقات اعتُبرت مفاجأة، وأحدثت وقعا مثل الصاعقة في الوسط السياسي والإعلامي، على المستويين الشعبي والنخبوي.

وأدى افتضاح أمر الكثير من الشخصيات بأجندتها إلى توالي ردود الأفعال في المشهد العراقي تجاه نشر وثائق ويكيليكس وكان منها علاقة السعودية ببعض القوى والشخصيات العراقية، ومنهم رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني، ما أثار الانتقادات والاتهامات لهذه العلاقة، وتراوحت مصداقيتها بين النفي والتشكيك.

ومع اقتراب مرور عشر سنوات على تأسيسه، بات موقع ويكيليكس رائدا لظاهرة "مطلقي الإنذار" الذين يسربون وثائق للفت الانتباه إلى ممارسات حكومية، وقد عمم نمط المنصات التي تنشر معلومات سرية على الانترنت في العالم، وفق فرانس بريس.

غير أن الموقع المشلول بفعل الصعوبات القضائية التي يواجهها مؤسسه جوليان أسانج، يعاني بشكل متزايد من تراجع صورته بفعل الاتهامات الموجهة إليه بأنه دمية بأيدي حكومات وأحزاب سياسية، وبأنه يفتقر إلى القدرة على التمييز في تسريبه الوثائق والمعلومات.

ويتمم جوليان أسانج الثلاثاء السنة العاشرة لتسجيله اسم "ويكيليكس.أورغ" على الإنترنت في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2006.

ومن المقرر بهذه المناسبة أن يطل على شرفة سفارة الإكوادور التي لجأ إليها في العاصمة البريطانية، ويشارك في مؤتمر صحافي عبر الفيديو يعاد بثه في برلين، حيث سيتجمع عدد من مناصريه.

وقامت منظمة "ويكيليكس" غير الحكومية التي تستمد اسمها من "ويكي"، شعار الانفتاح والإدارة الذاتية لمستخدمي موقع "ويكيبيديا"، و"ليكس" أي تسريب بالإنكليزية، بنشر أكثر من عشرة ملايين وثيقة سرية مسربة خلال عقد.

واثارت تسريبات ويكيليكس مخاوف بلدان كثيرة، بدءا بالولايات المتحدة.

ومن إنجازات الموقع أنه ألقى الضوء على الممارسات في معتقل غوانتانامو وكشف معلومات عن العمليات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان.

غير أن أبرز نجاحاته تبقى إثارة فضيحة "كايبلغيت" عام 2010 بنشره عشرات آلاف البرقيات الدبلوماسية السرية للبعثات الأميركية في الخارج، وقد سربها له محلل في الجيش الأميركي.

وفي صلة قريبة بالشأن، العراقي، اتهمت وثائق "ويكيليكس" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستخدام تنظيم داعش لابتزاز دول المنطقة، وخاصة دول الجوار. وقالت التسريبات التي نشرت نسخا من البريد الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إن أردوغان استغل التنظيم لتهديد العراقيين.

وتحدثت أخبار ويكيليكس عن أن بارزاني تبادل 882 رسالة مع حزب أردوغان، وفيها أيضا اعترافات لمسؤولين كبار عن دوره في افشال الحركة الكردية في شمال وغربي كردستان.

وفي الشأن العراقي تحدثت وثائق عن تدخل السعودية فيه، فقد نشر الموقع المذكور وثائق تدين السعودية في عملية محاربة الحكومة العراقية السابقة التي كان يترأسها نوري المالكي، وأظهرت احدى الوثائق ان السعودية استقطبت رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني ودعمته من أجل إسقاط حكومة المالكي، أيام الفترة التي سميت بعملية (سحب الثقة).

كما كشفت الوثيقة الصادرة عن جهاز المخابرات السعودي، عن قيام رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني المنتهية ولايته، بقيادة حملة إعلامية ضد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بتوجيه ودعم سعودي وقطري وتركي من أجل زعزعة استقرار الحكومة المركزية.

وحسب احدى الرسائل التي نشرها موقع "ويكيليكس" فقد كُشف عن وثيقة سرية وخاصة يرجع تاريخها الى 15 آذار عام 2016 تحت عنوان "حزب العدالة والتنمية "فان بارزاني تسلم نحو 200 مليون دولار كمساعدات بغية محاربة حزب العمال الكردستاني PKK دون ان يذكر الموقع بشكل رسمي اسم أي مؤسسة حكومية تسلمت المبلغ.

ونتيجة لتعدد الوثائق التي نشرها الموقع عن العراق، وأهميتها، قرر مجلس الوزراء في 27 حزيران 2015، تشكيل لجنة تحقيق تضم أعضاء من أمانة مجلس الوزراء والمخابرات والأمن الوطني، تتولى متابعة صلات السياسيين العراقيين بالسعودية سواء من أعضاء مجلس الوزراء أو من خارجه. وأعلنت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، أنها ستعقد اجتماعاً بشأن نشر "ويكيليكس" وثائق خاصة بالسعودية بعد استئناف البرلمان لعمله.

كما عدّ اسامة النجيفي، وكان نائبا لرئيس الجمهورية وقتها، أن ما نشر من وثائق في موقع ويكيليكس من صنع "مخيلة مريضة" هدفها تشويه صورته.

وتبين الوثيقة الصادرة عن جهاز الاستخبارات السعودي والتي تحمل رقم 341 بتاريخ 23/6/2014 والتي نشرها موقع ويكيليكس استلام أسامة النجيفي مبلغ 575 مليون دولار من رئيس جهاز الاستخبارات خالد بن بندر بن عبد العزيز لتنفيذ المخطط السعودي في العراق.

وأشارت وثائق ويكيليكس ان البعض من السياسيين العراقيين يقومون بالتخابر مع دول أجنبية، وهي تهمة قد توجب اشد العقوبات قضائيا.

وفي 2015 وقَع اتحاد القوى العراقية بحرج نتيجة نشر موقع ويكيليكس ما يشير إلى علاقات "مشبوهة" لبعض قياداته مع المملكة العربية السعودية، وقدّر نواب عنه بأن تصل نسبة صحة هذه الوثائق إلى 60 %، داعين إلى تشكيل لجنة محايدة للتحقق منها.

وكان موقع "ويكيليكس" سرب في (19 حزيران 2015)، نحو سبعة آلاف وثيقة للخارجية الأميركية.

وألهم مثال ويكيليكس في السنوات الأخيرة المستشار السابق لأجهزة الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن الذي كشف للصحافة عن مدى برامج المراقبة التي تمارسها وكالة الأمن القومي الأميركية على الاتصالات، بما في ذلك أنشطة التنصت على مكالمات قادة دول حليفة.

وتحت تأثير ويكيليكس أيضا، تم مؤخرا كشف فضيحتي "لوكسمبورغ ليكس" و"بنما ليكس" حول الجنات الضريبية، بفضل عمل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، فيما نشرت منظمة غرينبيس الوثائق السرية للمفاوضات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

هل ويكيليكس أداة يتم التلاعب بها؟

لكن مع انتشار نموذجه، خسر موقع ويكيليكس ما بقي لفترة ميزة حصرية له. هكذا فضل إدوارد سنودن اللاجئ حاليا في روسيا، التوجه مباشرة إلى صحف. كما أن عددا من المقربين سابقا من أسانج ابتعدوا عنه في السنوات الأخيرة.

ومن بينهم خبير المعلوماتية الألماني دانيال دومشايت-برغ الذي كان متحدثا باسم ويكيليكس قبل أن يغادر الموقع في نهاية 2010، متهما مرشده السابق الأسترالي بأنه "مهووس بالسلطة".

وقال لوكالة فرانس برس "ساهمنا في إحداث تغيير ثقافي من خلال تطبيع وظيفة مطلق الإنذار".

لكنه رأى أن موقع ويكيليكس يدفع حاليا ثمن رفضه الفرز بين الوثائق وإصراره على نشرها كلها بدون تمييز.

وتابع أن "إدوارد سنودن يحمل قيما قوية جدا، وهو لم يتوجه إلى ويكيليكس، وكذلك الذين سربوا وثائق لوكسمبورغ ليكس، وأعتقد بالتالي أن الذين يتصلون اليوم بويكيليكس يفعلون ذلك لأنهم يعتبرونه أداة يمكن التلاعب بها".

وأعرب إدوارد سنودن عن انتقادات مماثلة في تموز/يوليو حين كشف ويكيليكس الاف الرسائل الإلكترونية لمسؤولين في الحزب الديموقراطي الأميركي، من ضمنها البيانات الشخصية الخاصة للعديد من منتسبي الحزب، في خضم حملة الانتخابات الرئاسية.

وبات جوليان أسانج متهما بخدمة مصالح روسيا، بل أكثر من ذلك، بتسريب وثائق تمدها به موسكو، أو بخدمة مصالح المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب.

ورد أسانج في صحيفة "در شبيغل" قائلا "لن نبدأ بممارسة الرقابة الذاتية لمجرد أن هناك انتخابات في الولايات المتحدة"، مؤكدا أنه سبق أن نشر في الماضي وثائق تتضمن انتقادات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحذر بان "الهجمات تزيدنا قوة". 

علق هنا