المحكمة الإتحادية تلغي قرارات حبس الفاسدين

بغداد- العراق اليوم:

بالتزامن مع سجن وملاحقة ثلاثة محافظين بتهم الفساد، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا وفي سابقة قضائية خطيرة قرارا بالغاء قرار سابق لمجلس قيادة الثورة يقضي بسجن الفاسد والمختلس وسارق المال العام، ما سيسمح بموجبه الافراج عن المختلس وسارق المال العام دون تسديد ما بذمته، في تناقض صارخ مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بذريعة تناقضه مع مبادئ الحريات العامة للدستور العراقيـ الأمر الذي سيضع العراق في قعر القائمة السوداء لمنظمة الشفافية العالمية.

وقال رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية والنزاهة "قرار المحكمة الاتحادية المرقم 57 في 3 /8/2017 والخاص بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 120 لسنة 1994 والذي بموجبه "يمنع إطلاق سراح المحكوم عن جرائم الاختلاس او سرقة أموال الدولة او أي جريمة تطال المال العام بعد انقضاء مدة الحكم ما لم يسترد منه المال"، هو قرار يفتح الباب للفاسدين وسراق المال العام بنهب البلد والهروب الى البلدان التي يحملون جنسياتها".

وتساءل رئيس مؤسسة النهرين محمد رحيم الربيعي "ما حجم الأموال المسروقة والمختلسة التي سيستفيد سارقوها من هذا القرار؟ وهل يمكن للعراق ان يسترد هذه الأموال عبر مديريات التنفيذ كما بوبتها المحكمة الاتحادية؟ وهل يمكن لمديرية التنفيذ ان تسترد الأموال من سراق يحملون جنسيات اجنبية؟ وهل سيستفيد رؤساء الحكومات المحلية من هذا القرار".

وأوضح الربيعي أن "قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 وقانون تحصيل الديون الحكومية رقم 56 لسنة 1977 هي قوانين تطبق على المدين وليس السارق والمختلس، بينما القرار الملغى يؤكد انه ينطبق على السارق والمختلس".

وطالبت مؤسسة النهرين رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس هيئة النزاهة حسن الياسري ولجنة النزاهة النيابية بـ"إيقاف هذا القرار ونقضه لأنه يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تلزم العراق بتطبيقها".

وأشار الربيعي الى ان "هذا القرار كارثي بالنسبة للعراق، وسيضع الأجهزة الرقابية ورئاسة الوزراء في احراج كبير وسط نداءاتهم بمحاربة الفساد وتحسين سمعة العراق امام دول العالم والسعي لتحقيق مراتب متقدمة في تقارير منظمة الشفافية الدولية، الا ان هذا القرار سيعيدنا الى مربع البلدان العشرة الأوائل في الفساد عالميا".

قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (120) لسنة 1994، مؤكدة تعارضه مع مبادئ الحريات الواردة في الدستور.

ذكر بيان صادر عن المكتب الاعلامي للمحكمة الاتحادية العليا أن "المحكمة نظرت دعوى رفعها مواطن ضدّ رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته للطعن بقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (120) لسنة 1994".

وأضاف البيان أن "المحكمة وجدت من خلال قراءة القرار محل الطعن بأنه يتضمن عدم إطلاق سراح المحكوم عن جريمة اختلاس أو سرقة المال العام أو اي جريمة تطال هذا المال ما لم يُسترد منه".

وزاد ان "القرار من شانه ابقاء المحكوم عليه المعسر عن تلك الجرائم في السجن مدة لها بداية لها وبلا نهاية، وأن حصلت النهاية فهي بشرط لا يتحقق وهو التسديد مع الاعسار".

ورأت المحكمة أن "المركز القانوني للمحكوم الذي أمضي مدة الحكم الجزائي قد أصبح مديناً للجهة المتضررة وهي احدى مؤسسات الدولة التي عناها القرار المطعون بعدم دستوريته".

ووجدت أن " استحصال هذه المؤسسة الديون حق كفله القانون لها واستعمال الحق يلزم أن يكون وفق الاجراءات المرسومة في القوانين وليس بالتنفيذ على بدن المدين وبالقدر الذي يضيق عليه لإظهار امواله وللمدة التي حددها القانون لا إلى ما لا نهاية".

وأكد أن "قانون التنفيذ رقم (45) لسنة 1980 حدد هذه المدة في المادة (43) منه بما لا تتجاوز على اربعة أشهر لإجبار المدين على اظهار امواله اضافة إلى الطرق الاخرى التي رسمها القانون ومنها الحجز على الاموال ومنع السفر وغيره من الوسائل، وكذلك ما اورده قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 من اساليب تؤمن الحصول على حقوق الدولة".

واستطرد البيان أن "القول بغير ذلك وابقاء المدين موقوفا أو سجيناً إذا كان معسراً ولم تستطع الدولة بما لها من امكانيات بالكشف عن امواله والحصول على حقوقها بالأساليب القانونية واللجوء إلى تطبيق احكام القرار (120) لسنة 1994 بإبقائه سجيناً دون تحديد مدة فأنه يتعارض مع المبادئ التي اوردها الدستور في (الفصل الثاني) من (الباب الثاني) منه المتعلق بالحريات في المواد من (37 – 47) منه".

وأشار القرار إلى "ما جاءت به المادة (37/ اولاً/ أ) بالنص (حرية الانسان وكرامته مصانة)، والفقرة (ج) من نفس المادة التي حرمت جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي، وكذا ما حرمته المادة (46) بعدم جواز تقييد الحقوق والحريات الا بناء على قانون وأن لا يكون هذا القانون ماساً لجوهر الحق والحرية".

وأورد البيان أن "المادة (2/ ج) من الدستور لم تجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الواردة فيه".

وشدد على ان "سن مثل هكذا قانون أو وجوده اصلاً يشكل خرقاً لأحكام الدستور ويقتضي الحكم بعدم دستوريته وأن ذلك ينطبق على قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (120) لسنة 1994 الذي يبقي المدين المعسر المنهي لمدة محكوميته الجزائية رهين الحبس دون نهاية فأنه يشكل تعارضاً مع الحقوق والحريات الواردة في الدستور".

واستطرد أن "المحكمة وجدت في الدفع المقدم لها بأن القرار موضوع الطعن هدفه الحفاظ على المال العام، أن الحفاظ على حرمة المال العام التزام به جاءت المادة (27) من الدستور يشمل كل من الدولة والمواطن".

وأوضح أن "مؤسسات الدولة ملزمة بالحافظ على المال العام بوضع الاسس الكفيلة بكيفية التصرف بها للمصلحة العامة بإجراءات محكمة وشفافة عن طريق تشريعات مقتدرة على سن منافذ الفساد ورقابة واعية ونزيهة تحول دون وقوع الجريمة".

اما التزام المواطن بحماية الاموال العامة، اكد البيان أن "واجب المواطنة يلتزم به المواطن كما تلتزم به الدولة، واذا ما اعتدى المواطن على المال العام فأن القانون والقضاء كفيل بإنزال العقوبة الجزائية عليه وتطبق النصوص الواردة في قوانين التنفيذ في استرجاع المال".

وشدد البيان على أن "المحكمة لم تجز توقيع العقوبة الجسدية على المحكوم بدون حدود كما هو حكم القرار موضوع الطعن؛ لأن ذلك يعدّ صورة من صور التعذيب النفسي والذي حرمته المادة (37) من الدستور".

وناقشت الدفع الذي يتعلق بأن هذا النوع من العقوبات (تبعية) فأن المحكمة ذكرت "أنه مردود؛ لان العقوبات التبعية واردة على سبيل الحصر في المواد من (95- 98) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 وليس من بينها ما ورد في القرار (120) لسنة 1994".

ويسترسل البيان أن "المحكمة ردت دفعاً اخراً بأنها لا تختص بالنظر في هكذا قرارات، وأكدت المحكمة الاتحادية العليا أن القرار المطعون به يعد من صلب اختصاصاتها الواردة في المادة (93) من الدستور وهو الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة".

ومضى البيان إلى أن "المحكمة قررت عدم دستورية قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (120) لسنة 1994 وحكمت بالغائه".

 

علق هنا