العراق يقف على كومة من الخراب الاقتصادي بعد داعش

بغداد- العراق اليوم:

كشف تقرير توثيقي للبنك المركزي العراقي أن إجمالي المبالغ التي استولى عليها داعش في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار تقدّر بنحو 856 مليار دينار، إلى جانب 101 مليون دولار، مشيرا أن هذه المبالغ كانت ودائع حكومية خاصة بالدوائر الرسمية والمحافظات ضمن موازنة عام 2014.

وقدّر التقرير مداخيل التنظيم من بيع النفط العراقي بالمناطق الخاضعة لسيطرته بقرابة مليار دولار سنويا، بمعدل 30 ألف برميل يوميا، وبأسعار تراوحت بين 25 و50 دولارا للبرميل.

وأجمع ثلة من الخبراء والمسؤولين الحكوميين في تصريحات لـ”العرب” أن “الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها داعش تتجاوز حجم أضرارها التقديرات الحالية، وأن انعكاساتها ستدوم لعدة سنوات بما يؤثر على مستقبل الأجيال القادمة”.

وأكد المتحدثون على استحالة إعادة إعمار المناطق المدمّرة من جانب الحكومة العراقية في ظل الانخفاض الحالي لأسعار النفط، وهو ما يتطلب إسهام المجتمع الدولي عبر مشروع لإعادة البناء على نمط مخطط مارشال الاقتصادي.

خسائر فادحة

يلفت مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية مظهر محمد صالح إلى أن السلطات العراقية تعمل بالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بموجب اتفاق بين الجانبين لملاحقة كل المتورطين في جرائم تنظيم داعش.

باسم انطوان: فداحة الأضرار والخسائر الاقتصادية تجعل من إعادة الأعمار فوق إمكانيات العراق

 

وأضاف صالح إن مهمة المشروع المشترك هو بناء منظومة ذات بعد دولي في ملاحقة الجرائم الاقتصادية والفساد، لا سيما جرائم تنظيم الدولة المرتبطة بنهب الممتلكات والآثار والنفط وكذلك خزائن المصارف والبلديات وغيرها.

ويشكك المحلل والاستشاري النفطي العراقي فالح حسن الخياط في قدرة الحكومة العراقية على مقاضاة أو تتبع أيّ أطراف خارجية اشترت النفط المسروق من داعش، في ظل غياب إثباتات أو قرائن صريحة أو وثائق تبرهن هذه الجرائم.

وأعتبر الخياط أن معالجة هذا الملف يكمن في تصنيف سرقات داعش النفطية ضمن خسائر الحرب، لافتاً إلى أن الكميات التي سرقها داعش لا تعادل إلا جزءاً بسيطاً مما سيطرت عليه حكومة إقليم كردستان خارج سيطرة الحكومة المركزية في الفترة نفسها.

ويتسق رأي أستاذ الاقتصاد سعد قرياقوس مع رأي الخياط إذ يقول إن “الصعوبة التي تواجه المؤسسات العراقية، الآن ومستقبلاً، في سعيها إلى معالجة الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها تنظيم داعش، تكمن في أنّ هذا التنظيم كيان غير مؤسسي ويصعب مقاضاته محلياً ودوليا”.

من جانبه، يستبعد الباحث الاستراتيجي العراقي باسل بشير قدرة الجهاز القضائي الذي وصفه “بالمسيّس”، على معالجة الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها التنظيم والتعامل مع هذه الملف المعقّد بعيدا عن تدخلات الأطراف السياسية.

ويضيف بشير “أن ما ارتكبه تنظيم داعش الإرهابي من سرقات، لا يتجاوز بأي حال ما اقترفته حكومة المالكي على مدار دورتين متتاليتين 2006-2014، من هدر للمال العام والثروات وتعطيل المشاريع الخدمية والأساسية والتي تقدّر بنحو 840 مليار دولار”.

 

ويرى الخبير الاقتصادي باسم أنطوان أن “الأضرار التي تعرّضت لها المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة التنظيم فادحة للغاية، الأمر الذي يضخّم من فاتورة الخراب والخسائر الاقتصادية، فضلا عن ممارسات النهب والسرقات التي شملت مختلف المجالات، وهو ما يجعل من إعادة الإعمار أمرا يفوق إمكانيات العراق في الوقت الحاضر.

وأوضح أنطوان أن “موارد العراق بالكاد تسدّ موازنته مع عجز يتجاوز 21 تريليون دينار في هذا المجال، مما يجعل البلاد عاجزة عن توفير جزء من هذه المبالغ لإعادة الإعمار والبناء، وعليه لا بد من مساهمة المجتمع الدولي في هذه العملية وإقامة مشروع على نمط مشروع “مارشال”.

ودعا أنطوان إلى تشكيل لجنة عليا تضمّ خبراء في الاقتصاد والكهرباء الهندسة والقانون لتحديد حجم الأضرار بشكل دقيق وتقديمها للمجتمع الدولي لينشئ صندوقاً خاصاً لإعادة الإعمار والبناء.

أسلحة الجيش العراقي

طرح العراقيون تساؤلاًت عن مصير تجهيزات وأسلحة الجيش العراقي التي استولى عليها داعش منذ دخوله إلى الموصل، والتي تقدّر بمئات الملايين من الدولارات عقب تحرير الساحل الأيسر من المدينة والشروع في تحرير الساحل الأيمن.

وضع صعب

وأوضح مدير المركز العربي الأوروبي لمكافحة الإرهاب اللواء الركن عبدالكريم خلف أنه “خلال فترة سيطرة داعش على الموصل وغيرها من المناطق بالعراق وسوريا تحوّلت تجارة الأسلحة إلى أمر متداول، سواء من طرف التنظيمات الإرهابية التي توفر لها هذه التجارة مداخيل كبيرة أو من جانب الوسطاء والسماسرة متعدّدي الجنسيات”.

ويلفت خلف إلى أن التنظيمات الإرهابية استنفدت كثيرا من مخزوناتها من السلاح، نتيجة تغيّر التوازنات الميدانية نهاية العام 2015، كما أن غارات التحالف الدولي استهدفت المئات من مخازن الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وشدد مدير المركز العربي الأوروبي لمكافحة الإرهاب على أن “القسم الأعظم من هذه الأسلحة تم تدميره على يد قوات التحالف الدولي والجيش العراقي”، لافتا إلى أن “ما سيتبقى من أسلحة داعش سيتم الاستيلاء عليه”.

وأكد خلف أن اللجنة البرلمانية الخاصة باستجواب العشرات من المسؤولين تمتلك ملفا ضخما، وهي التي ستحدد مسؤولية ما حصل في الموصل، مشيرا إلى أن “رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي يتجه إلى توسيع دائرة الاستجواب والتحقيق في مسالة سقوط الموصل وأن يتخذ الملف البعد القضائي من خلال توجيه إدانات للأشخاص المتهمين في ذلك”، مؤكداً “أن الملف ما زال مفتوحاً ولم يُحسم بعد”.

ووصف مدير المركز العربي الأوروبي لمكافحة الإرهاب الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق بأنها “كبيرة وتحتاج إلى وقت وجهد وأموال” ويقول “ليس أمام الحكومة العراقية سوى الاستثمار لإعادة البنى التحتية الاقتصادية للعراق، كما تحتاج إلى دخول المستثمرين، خصوصاً وأن الميزانية العراقية لا تكفي والبيئة العراقية ستكون خصبة للاستثمارات، وستكون هناك نجاحات في هذا المجال بانفتاح العراق على الدول العربية والمملكة العربية السعودية بشكل خاص”.

واعتبر خلف أن “حكومة العبادي تسير إيجابا في قضية تخطّي الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها داعش في محافظات العراق وفي مناطق عديدة”، مشيراً إلى “إقدام المجتمع الدولي على مساعدة العراق خصوصاً في المجال الاستشاري”.

علق هنا