كادوا أن يغتالوا هتلر قبل أن يعدمهم رمياً بالرصاص.. قصة جنود "شتاوفنبرغ" الذين تحتفل ألمانيا بشجاعتهم

بغداد- العراق اليوم:

احتفت الحكومة الألمانية بشجاعة مجموعة شتاوفنبرغ، التي حاولت، في العشرين من شهر يوليو/تموز 1944، اغتيال الديكتاتور أدولف هتلر، وقد اعتبرت أهم محاولة انقلاب استهدفت النظام النازي، وكادت أن تمنع الكثير من المآسي التي وقعت في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.

ونشر المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت فيديو عن المناسبة التي أقيمت في سجن "بلوتزنسيه" السابق ببرلين، إحياء لذكرى مقاتلي المقاومة الألمان، على حسابه بموقع تويتر، وكتب أن "الحكومة الألمانية أشادت بشجاعة مقاتلي المقاومة".

 

الحفل

 

ونقل موقع الحكومة الألمانية الإلكتروني عن وزير الزراعة كرستيان شميت تأكيده خلال افتتاحه الحفل، على ضرورة استذكار كل الذين انتفضوا ضد النظام النازي الظالم.

 

وقال شميت: "إننا ننحني أمامكم وأمام عوائلكم، وشجاعتكم الشخصية، وتبصركم وعزمكم. لقد دفع الكثير منكم حياته ثمناً لمعتقده، تم اعتقال واستجواب واحتجاز، وأيضاً تعذيب آخرين، وجنبهم الحظ الموت".

 

وشارك إلى جانب الوزير المذكور عمدة مدينة برلين الحاكم ميشائيل مولر، ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون ديرلاين، ونائبة رئيسة البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) أولا شميت، والرئيس الألماني الأسبق كرستيان فولف.

 

ودعا مولر في هذه المناسبة إلى الوقوف بحزم ضد اليمين المتطرف ومعادة الأجانب ومعاداة السامية، مؤكداً أن المقاومة ضد النظام النازي وأدولف هتلر تنتمي لأسس النظام الديمقراطي الحر في ألمانيا.

 

وقال وزير الداخلية السابق غيرهارت باوم في كلمة له، إن هتلر لم يكن حادثاً مهنياً في التاريخ، داعياً إلى البقاء متيقظين حيال أعداء الديمقراطية، مبيناً أن تنقيح التاريخ ونقاشه يقوي الديمقراطية، حسب ما نقله عنه تلفزيون "إر بي بي".

 

ووضع ممثلون عن الهيئات الدستورية في الحكومة الاتحادية والولايات الألمانية أكاليل ورد في مكان إقامة الفعالية، مستذكرين ضحايا النظام النازي.

 

وكان سجن "بلوتزنسيه" الذي جرى الاحتفال فيه، قد شهد إعدام 89 شخصاً من المشاركين والداعمين للانقلاب الفاشل خلال الأسابيع والأشهر التي تلت حدوثه.

 

وتُجري الحكومة الألمانية احتفال استذكار لهذه الواقعة سنوياً، بشكل متبادل بين سجن "بلوتزنسيه" ومجمع بندليربلوك في برلين.

 

وتعهد 400 من الجنود الجدد في الجيش الألماني في احتفالية جرت في ساحة لتنفيذ العروض تابعة لمجمع بندليربلوك، بالالتزام بواجبهم في خدمة ألمانيا والدفاع ببسالة عن حق وحرية الشعب الألماني.

 

شتاوفنبرغ

 

ولد كلاوس شينك غراف فون شتاوفنبرغ في العام 1907 ببلدة يتنغن البافارية، لأسرة من النبلاء، وانضم بعد انتهائه من دراسة الثانوية إلى الجيش في العام 1926، وكان موقفه يتسم بالافتخار والموالاة والطاعة حيال هتلر، وهو ما بدا في معارضته لباول فون هيندنبورغ ومناصرته لهتلر في الانتخابات الرئاسية العام 1932، وفق موقع تلفزيون "إم دي إر" الألماني العام.

 

وبعد أن تم ترفيعه لرتبة ملازم، شارك في التدريب العسكري في كتيبة العاصفة، ثم بدأ بالدراسة أواخر العام 1936 في الأكاديمية الحربية ببرلين.

 

ويشير التلفزيون الألماني إلى أنه كأقرانه في ذلك الوقت كان الانتقام من توقيع معاهدة "السلام العار" فرساي دافعاً له، لذا لم يعترض على ما ورد في كتاب هتلر "كفاحي" من جرائم إفناء اليهود والتخلص من الديمقراطية والحقوق الأساسية، وكان يجد في هتلر الشخص المناسب لاستعادة مكانة ألمانيا.

 

ومع تدرجه في المناصب العسكرية واضعاً نصب عينيه أن يصبح من قيادة أركان الحرب في الجيش، شارك في الاستحواذ على منطقة "زودتلاند" التي حصلت عليها ألمانيا النازية وفق إملاء ميونيخ، التي حاولت فيها الدول العظمى استرضاء هتلر قبل اندلاع الحرب.

 

وبدأ بالخدمة في فرقة الدبابات كملازم أول في الحملة على بولونيا، مع اندلاع الحرب العام 1939. ولم يُبد حينها شتاوفنبرغ أي توجه لمقاومة النظام النازي، في حين كان آخرون يفعلون، كشأن يوهان غيورغ إلسر الذي فشل في قتل هتلر بعبوة متفجرة في ميونيخ في ذلك العام، بعد أن غادر القاعة قبل دقائق من الانفجار.

 

 

ورفض شتاوفنبرغ عرض عسكريَّين كانا يخدمان معه خلال غزو بولونيا المساعدة في الانقلاب على هتلر. ثم انضم لقيادة عمليات غزو فرنسا في العام 1940، وواصل دعمه للنظام مع تحقيق انتصارات ميدانية.

 

ثم بدأ يشكك في مغزى حرب الإبادة في الشرق والجرائم الفظيعة المرتكبة هناك والأسلوب غير الاحترافي الذي يتم به القيادة وإدراكه عدم قدرة الجيش على الانتصار في الحرب، في العام 1942، بعد فشل حملة "الحرب الخاطفة" ضد الاتحاد السوفيتي، فبدأ بمناقشة الأمر مع شقيقه بيرتويلد، وانضم لحلقة "كرايساور كرايس"، التي ضمت راغبين في إسقاط هتلر، كان يريدون إعادة الحرية والسلام للبلاد، لكنهم كانوا ضد إعادة النظام الديمقراطي البرلماني على نحو ما كان في جمهورية فايمر، لذا لم يكن شتاوفنبرغ صديقاً للديمقراطية، بحسب "إم دي إر".

 

وبحسب فيلم "شتاوفنبرغ القصة الحقيقية" الوثائقي، الذي بُث على القناة الألمانية الأولى، عرض شتاوفنبرغ مطلع العام 1943 على الجنرال إريش فون مانشتاين تنحية هتلر، فرفض الأخير وهدَّده بالاعتقال إن عاد وكرَّر ذلك.

 

وتم نقله في مارس/آذار 1943 إلى فرقة الدبابات في شمال إفريقيا، لتغطية انسحاب وحدات إيرفين رومل العسكرية، فأصيب بجراح بليغة في غارة جوية، فقد فيها عينه اليمنى ويده اليمنى، وأصبعين من يده اليسرى.

 

فعزم وهو في المشفى العسكري على "إنقاذ الرايخ"، ثم بدأ العمل مع المتآمرين معه على "عملية فالكوره"، الاسم الذي اقتبسه شتاوفنبرغ، من عملية كان هتلر نفسه قد وضعها لإخماد اضطرابات شعبية محتملة خلال الحرب، فقام بتعديل هدف الخطة وتحويرها، ووضع مع المتآمرين معه إعلان حكومة لفترة ما بعد الانقلاب، بهدف إنهاء ملاحقة اليهود والحرب وإعادة تشكيل دولة القانون التي كانت قائمة في العام 1933، مع رفض غالبيتهم للديمقراطية البرلمانية.

 

وقال إيفالد فون كلايست، المشارك في المحاولة في الفيلم الوثائقي، إن الأمر كان صعباً جداً لدى التخطيط، لأن دائرة المشاركين فيها كانت ضيقة جداً ومحدودة ولم يكن بوسعهم إعلان خططهم والبحث عمن يمكنه المشاركة علنا.

 

وأضاف أن الاغتيال كان مهماً بالنسبة له، لأنه كان سينقذ حياة الكثيرين إن تم إيقاف الحرب، مشيراً إلى أنه كان متشككاً بنجاحها.

 

وبعد أن ترفع في نهاية العام 1943، وأصبح بإمكانه حضور جلسات مناقشة الوضع العسكري في مقر قيادة إلى جانب هتلر، قرر تنفيذ الاغتيال بنفسه سيما بعد فشل عدة محاولات سابقة.

 

وعلى الرغم من أن الوقت كان أصبح متأخراً لتفادي غزو الحلفاء، إلا أن الجنرال هينينغ فون تريسكوف، المشارك في التخطيط للانقلاب، أرادها فقط عرضاً لعزم حركة المقاومة، أمام العالم والتاريخ وأمام ضمائرهم، قائلاً إنه لا يبالي بغير ذلك وما سينجم عنه.

 

وتقول ابنته كونستاتزه في الفيلم المذكور، إن والدتها كانت لا تدري أنه سينفذ بنفسه الأمر، لكنهما تناقشا الأمر، وكانت تعلم بأمر محاولة الاغتيال، وعندما سألته عن فرص النجاح، أجابها: "50:50".‪

 

وفي يوم التنفيذ، الخميس 20 يوليو/تموز 1944، وصل شتاوفنبرغ من برلين إلى "وكر الذئب" الواقع في بروسيا الشرقية (بولونيا حالياً)، لأجل المشاركة في نقاش الوضع العسكري الذي غاب عنه كل من هينريش هيملر قائد الغوستابو وهيرمان غورينغ، حاملاً حقيبة فيها عبوتان ناسفتان تزنان 2 كيلوغرام، ورافقه عند وصوله ملازم احتياط قال إنه لم يلاحظ عليه التوتر نهائياً، إذ نجح في إخفاء ذلك وبدا هادئاً، ما أثار دهشته لاحقاً، مضيفاً أنه لم يكن يستطيع حمل الحقيبة وحده نظراً للجراح المصاب بها، فكان يتلقى المساعدة، وعندما سأله عن سبب ثقل الحقيبة أجابه بأنه لديه الكثير من العمل.

 

ومع تقديم موعد الاجتماع، استطاع تجهيز قنبلة واحدة، وكاد ينكشف أمره عندما دخل أحد الضباط إلى غرفته فجأة، ثم وضع الحقيبة قرب هتلر في غرفة الاجتماعات وغادر، إلا أن أحدهم حمل الحقيبة ووضعها على الجانب الآخر من الطاولة، وأسهمت النوافذ المفتوحة في تخفيف ضغط الانفجار، وارتداد تأثير القنبلة من قاعدة الطاولة، في مقتل 4 أشخاص وإصابة 10 آخرين بجراح خطيرة، لكن هتلر نجا مصاباً بجراح طفيفة، واستقبل في وقت لاحق من اليوم حليفه الإيطالي موسوليني، واطلع الاثنان على آثار الدمار الحاصل، وتحدث هتلر عن "عناية إلهية أنقذته".

 

وفرَّ شتاوفنبرغ إلى برلين، بعد أن اعتقد أن هتلر قد مات، حيث شاهد آثار الدمار، ليقوم بمواصلة تنظيم باقي عمليات الانقلاب التي تضمنت إعطاء الأوامر بسيطرة الفيرماخت على مقار الحزب والـ"إس إس" والإذاعة، وتطويق المربع الحكومي، لكن الأمر لم يحصل كما هو مخطط وسط أنباء متضاربة حول هتلر.

 

فبعد تلقي الوحدات العسكرية أوامر الانقلابيين، لعب الضابط أوتو إرنست ريمر دوراً محورياً في إفشال المخطط، عندما تلقى أمراً من شتاوفنبرغ باعتقال وزير الدعاية النازية يوزف غوبلز، تحت زعم أنه جزء من الانقلاب، فجعل غوبلز ريمر على تواصل هاتفي مباشر مع هتلر، الذي أقنعه بأنه حي قائلاً "هل تعرفت على صوتي؟" وأمره الديكتاتور النازي بكسر شوكة أية مقاومة بقوة السلاح، فعمل ريمر على رفع الحصار على المربع الحكومي ومحاصرة القائمين على الانقلاب.

 

وأعلنت إذاعة الرايخ بعد ظهر ذلك اليوم نجاة هتلر، ما تسبب باضطرابات في صفوف الجيش، حتى بدأ المشاركون في خطط الانقلاب بالفرار بعد أن اكتشفوا عدم نجاحها.

 

وبعد محاصرة مجمع بندليربلوك مقر قيادة الانقلابيين، اشتبك شتاوفنبرغ ومن معه مع الوحدة التي جاءت للقبض عليهم، فأصيب في ساعده اليسرى، قبل أن يُعتقل.

 

وأعدم شتاوفنبرغ و3 من المتآمرين رمياً بالرصاص في باحة مجمع بندليربلوك.

 

هل هم أبطال؟

 

كان يُقال عن هذه المجموعة حتى خمسينات القرن الماضي في ألمانيا إنهم خونة، ولم يلقوا التقدير في ألمانيا الشرقية، ثم بدأ رد الاعتبار ليصبحوا اليوم لدى الكثيرين "أبطالاً".

 

ويقول تلفزيون "إم دي إر" إنه على الرغم من أن العمل الذي قاموا به كان بطولياً للإطاحة بهتلر، لكن يجب عدم نسيان أنهم كانوا لأعوام طويلة مناصرين لهتلر، ولولا أمثالهم لما أحرز الزعيم النازي تقدماً، ولم تتغير وجهتهم سوى بعد أن تغير منحى الحرب، لذا لا يعد عملهم بطولياً إلى حد كبير، ولا أهدافهم في حال نجاح خطتهم.

 

وأثار نشر الحكومة الألمانية فيديو عن التكريم أيضاً على صفحتها ردود فعل متباينة، حيث عبَّر البعض عن احترامهم لمقاومتهم، ووصفوهم بالأبطال، متأسفين على فشل المحاولة، فيما خالفهم الرأي آخرون مثل روبرت غرونهفالد الذي اعتبر منفذي العملية ليسوا ديمقراطيين، وأن ديكتاتورية عسكرية أخرى ما كانت لتغير شيئاً، مشيراً إلى أن شتاوفنبرغ كان عنصرياً، كما تظهر رسائله.

 

واستمرت الحرب بعد المحاولة مدة 9 أشهر، مات خلالها أناس على الجبهات أكثر من كل القتلى الذين سقطوا في سنوات الحرب الخمس السابقة، وقُتل مئات الآلاف من مناهضي النظام النازي خلالها، ودُمرت أكثر من 100 مدينة، بحسب الفيلم الوثائقي.

علق هنا