طريق التغيير المرجو

بغداد- العراق اليوم:

 نزار حيدر

عندما يُشرِّع مجلس النوّاب قانون الأَحزاب ولم يترك أَيَّ أَثرٍ ومن أَيِّ نوعٍ كان على أَيٍّ من الكُتل والأَحزاب والتيّارات والجماعات والحركات السّياسيّة الحاليَّة، فهذا يعني أَنَّ [العصابةَ الحاكمةَ] فصَّلت القانون على مقاساتِها بالضّبط لا أَكثر، ولو قليلاً، ولا أَقلّ، ولو قليلاً، حالهُ حال كلِّ القوانين الأُخرى التي شرَّعها البرلمان والّتي فصَّلها على مقاساتِ [العصابةِ] بدقّةٍ مُتناهِيةٍ!.

   إِنَّ كلَّ قانونٍ للأَحزابِ لا يُعالج قضيَّتَين إِستراتيجيَّتَن مهمَّتَين فهو مردودٌ ومرفوضٌ، وهو جزءٌ لا يتجزَّء من الفسادِ والفشلِ الذي أَصاب الدّولة ومؤسّساتها.

   القضيَّة الأُولى؛ تتعلّق بالمِعيار، والقضيّة الثّانية تتعلّق بالتّمويل.

   بالنّسبة الى القضيّة الأُولى؛

   لا يخفى على الجميع انَّ من الأَسباب التي كرَّست الانتماءات الثّانوية في المجتمعِ العراقي وأَضعفت الحسِّ الوطني عند المُواطن، هو وجود الأَحزاب الحاليّة التي تشكَّلت على أَساس ديني [مذهبي] وإِثني [قومي] لتتحوّل شيئاً فشيئاً الى تبنّي المعيار العائلي [الأُسَري].

   فمن الواضح، انّهُ اذا لم يكُن المعيار وطنِياً، ليُكرِّس الولاء الوطني كمِعيارٍ، فانَّ ايَّ معيارٍ آخر سيُكرِّس أَي ولاءٍ آخر الا الولاء للوطن [الولاء الوطني] ولذلك باتَ اليوم المعيار الأَوحد تقريباً للانتماء والتّعيين وغير ذلك هو الولاء إِمّا للحزب، وهذا نادراً، أَو للزّعيم وهو الحالة الطبيعيّة التي تحكُم السّاحة اليوم! ولعلَّ في تجربة المرشّح في محافظة كربلاء الذي كتبَ على صورتهِ الكبيرة جداً مُعرِّفاً النّاخبين بشهاداتهِ العلميّة وخبراتهِ التّاريخيّ الخارقة للعادة والرّاقية [زوج بنت دولة رئيسِ الوزراء] ليحصدَ عدداً من الأصواتِ التي لم يكُن يحلم بها حتّى في منامهِ، دليلٌ على نوعيّة الولاء الحاكم والمُسيطر الآن في المجتمع!. 

   حتّى الاحزاب السّياسية العريقة مثل حزب الدَّعوة الاسلاميّة والاتّحاد الوطني الكُردستاني تضخَّم عندها المِعيار الأُسَري [القَبلي] على الانتماء الأصلي الذي تأسَّست عليهِ، وأَقصد بهِ المذهبي والاثني على التّوالي! ولذلك تغوّل الولاءُ للزّعيم على ايِّ ولاءٍ آخر وبدرجةٍ لم يسبق لها مثيل.

   امّا أحزاباً أُخرى مثل المجلس الاعلى والحزب الدّيمقراطي الكُردستاني والتيّار الصّدري وحزب الفضيلة وغيرها، فقد تكرَّس فيها الانتماء القَبلي (الأُسري) فيها منذُ زمنٍ بعيدٍ حتّى أَصبح ماركةً مُسجَّلةً، يتم توارثها جيلاً بعدَ جيل! والمعيار الأوحد هو الولاءُ للزّعيم القَبَلي [الأُسري] حصراً.

   إِنَّ من الصَّعب جداً ان نتخيَّل مشروعاً وطنياً عامّاً يعبر الانتماءات الدّينية والمذهبيّة والإثنية والمناطقيّة والعشائريّة قبل ان نُحاول التَّأسيس لاحزابٍ يكون المعيار الوحيد للانتماء اليها هو المُواطنة، لانَّ ايَّ معيارٍ آخر يكرِّس الشّرانق الحزبيَّة الضَّيّقة والتي لم ولن تُنتج لنا مشروعاً وطنياً بالمرّة!.

   إِنَّ اعتماد ايَّ معيارٍ ثانويٍّ للانتماء للحزب السّياسي يُكرّس حالة الخلط بين الدّيني والوطني أَو المذهبي والوطني أَو الاثني والوطني، أَي انّهُ يكرِّس التّقسيم المجتمعي وتقسيم الولاءات حدّ التضارب، وهي الظّاهرة التي تضرّ بكلّ العناوين، كما تضرُّ بمشروع الدّولة ومشروع دولة المواطن! وياليتهُ يقف عند هذا الحدِّ، فلقد رأَينا كيف أَنّهُ ظلّ يُواصل التّقسيم بالطّول والعَرض حتّى وصلَ الى العشيرةِ والمنطقةِ والتّقليد المرجعي و..و...ولعلَّ القارئ الكريم يتذكّر القصَّة التي رؤيتها مرّةً عن مواطنٍ عراقيٍّ تقدَّم بأوراقِ تعيينهِ بدرجةِ [سائق] لدى مكتب أَحد الاحزاب السّياسيّة (الدّينية) الّا انَّ طلبهُ رُفِضَ عندما عَلِم المسؤُول عن التّعيينات أَنّهُ يقلِّد مرجِعاً غير مرجعِ التَّقليد الذي يتَّبعهُ الحزبِ!.

   فما بالُك اذا تقدّم هذا المواطن بطلبِ تعيينهِ وزيراً مثلاً أو مديراً عامّاً أو سفيراً على حصّة هذا الحزب؟!.

   يجب فوراً العمل على تغيير قانون الأَحزاب لينصّ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ لا لَبْسَ فِيهِ ولا يُمكن الاجتهاد في تفسيرهِ للالتفاف على النّصّ! على انَّ المعيار الوحيد للانتماءِ الى الأَحزاب السّياسية هو المُواطنة حصراً ولا أَيّ شَيْءٍ آخر، لنعملَ على بناءِ وتأسيسِ أَحزابٍ سياسيَّةٍ وطنيّةٍ ينتمي اليها المواطن بغضّ النّظر عن دينهِ ومذهبهِ وإِثنيَّتهِ! وبذلكَ نضع الّلبنة الأُولى للمشروعِ السّياسي الوطني، ونبدأ بالقضاءِ على المُحاصصة التي دمَّرت البلد والمُجتمع والدَّولة!.

   معايير الاحزاب الحاليّة تصلح لفترةِ المُعارضةِ! التي تحتاجُ عادةً الى ظاهرة التَّعبئة والتّظاهر الشّعبيّة والشّعارات الثّوريّة! أَمّا مرحلة بناءِ الدّولة فانَّ هذه المعايير غَيْرُ صالحةٍ أَبداً!.

   هذه المعايير لن تبني دولةً أَبداً! ولذلك يجب تغييرها بالقانون أَوَّلاً وبالثّقافة والوعي ثانياً!.

 

علق هنا