(مكس) عراقي يكتسح منصة يوتيوب غنائيًا.. الثلاثي محمد عبد الجبار وفالح الدراجي وعلي بدر يعيدون تشكيل ذائقة المتلقي عبر (أنت تحبني)

بغداد- العراق اليوم:



علي الأمير – باحث ومهتم بالشأن الموسيقي

على مدى ثلاثة اسابيع أو أقل بقليل، حظي العمل الغنائي المميز للمطرب محمد عبد الجبار، (أنت تحبني)، بتفاعل كبير على منصة يوتيوب المتخصصة بنشر المحتوى الفيديوي بأنواعه، وسجلت القناة الرسمية لعبد الجبار على هذه المنصة اكثر من مليون وربع المليون زائر خلال اقل من عشرين يومًا على اطلاقه هذه الأغنية التي يعود عبرها، بعد انقطاع عن هذا النوع من الاغاني الطربية التي تستعيد جزءًا غائباً من ألق الأغنية العراقية التي مرت بتحولات، وتمر الآن بتغييرات، أطن إن جزءاً منها افقدها البريق، مع حمى الانتشار الهائل لبعض الأغاني التي تسجل ترندات، لكنها ترندات لحظية، تختفي اختفاء البرق الخاطف، فيما يظل ضوء النجوم ثابتًا، لا يخبو، ولا يتلاشى!.

ما دفعني للكتابة عن هذه الأغنية بالذات، هو شخصية محمد عبد الجبار الغنائية، واثر الرجل في صياغة مشروعه الخاص، ولونه الذي طبعه في الذائقة المتلقية لهذا المحتوى الغنائي، فمحمد عبد الجبار الذي يكاد يكون صلة الوصل بين اجيال الأغنية العراقية الحديثة ،وهو  ذكي ومحترف جدًا في انتقاء نصوص اغانيه، فضلاً عن اختيار الحانه التي امتازت خلال مسيرته التي تدخل عقدها الثالث، بالتنوع المبني على وحدة موضوعية، لا تنوع قائم على البحث عن الاختلاف في التجربة فحسب، والبناء غير المتراكب في فضاء التأصيل لمشروعه الخاص.

أبداعيًا، يمكن ان نصف محمد عبد الجبار، بأنه جزء من جيل كبير ظهر، بعد جيل الرواد الأول الذي مثله حسين نعمة، وفاضل عواد، وياس خضر، وفؤاد سالم، وحميد منصور، وما تلاهم من جيل اخر، كقحطان العطار وصلاح عبد الغفور، وأحمد نعمة ومحمود أنور وغيرهم، ليقف محمد عبد الجبار مع جيل كاظم الساهر، وجيل حاتم العراقي وعبد فلك وجلال خورشيد، وحبيب علي وصلاح البحر وغيرهم من الاسماء التي سجلت اثرها في الاغنية العراقية، وأخذ الكثيرون من ابناء هذا الجيل، جوازاتهم من محطة الاغنية المتكئة على أرث السبعينات الذهبي، بلحنه وكلماته الشعرية التي طرزها عمالقة الشعرية العراقية.

يمتاز محمد عبد الجبار أيضاً، بأنه مطرب يتجه للتطريب الحقيقي، عبر اللحن والنصوص والاداء الذي لا يمكن ان يماثل ما ينتجه مجايلوه من نصوص خفيفة، وقتية، ولذا فأن تعاونه الأخير مع شاعر كبير، مثل فالح حسون الدراجي، الشاعر المنتمي روحاً وكتابةً لجيل السبعينات، والمتكئ على ثقافة واعية في كتابة النصوص الغنائية التي تركت خلفها اثراً في تعاونه المتعدد مع مختلف مطربي اجيال الثمانيات والتسعينات، والمهجر الشعري العراقي الذي عمل فيه الدراجي، وأيضاً، يعيد التجربة مع عبد الجبار، الذي كان لمحاحًا، حين زاوج بين تجربتين مختلفتين زمنيًا، بين شاعر من هذا الطراز الرفيع، و ملحن شاب كعلي بدر، الذي احسن التعامل مع النص الغنائي (انت تحبني) واستطاع فهم عمق المعنى الذي اختزنته شعرية الدراجي، الباحثة عن "تطريب"المتلقي وإمتاعه، ولا اشغاله برغباته، أو تحرير غريزة آنية لديه.

فنياً، تكاد تكون الأغنية متنوعة بكل شيء، فرغم بحث عبد الجبار الحثيث عن مواكبة تطورات عالم الميديا، وأثر الرقمنة الحديثة في انتاج المحتوى الغنائي، الا أنه استطاع ان ينتج نصاً بجودة فنية وادائية محكمة ومتقنة، وادهش جمهوره الذي تعود منه اعمالًا جميلة، وصعبة أيضاُ في تعاونه مع كبار الملحنين والشعراء العراقيين.

ميزة محمد عبد الجبار، ايضاً تكمن في تنوع جمهوره الذي يتلقى اغانيه، فهو متنوع مناطقياً، ومتنوع زمنيًا، فالرجل يستقطب بصوته، اجيالاً شابة صاعدة، تتعرف للتو على عالم الجمال الغنائي، وأيضاً لديه اجيال اخرى اكثر رسوخاً وقدماً في متابعة منجزه الغنائي، فضلاً عن ذلك، فإن محمد عبد الجبار عبر أغنية (أنت تحبني) ردً على سؤالنا، نحن المهتمون بالسؤال الصعب:

الى أي مدى يمكن ان تنتشر الأغنية التطريبية العميقة المعنى والمسبوكة المبنى، في عالم الاغاني "المسلوقة" في استديوهات تفتقر الى ذوق ومعرفة فنية قادرة على صناعة ثقافة غنائية، وهل بالإمكان ان تنافس هذه الأغاني الصعبة، هذه التفاهة الطاغية؟.

الاجابة، كانت رقمية ايضاً، فمنصة عبد الجبار وحدهاـ سجلت اكثر من مليوني مشاهدة في بضعة ايام، فيما تم تحميل الاغنية في عشرات المنصات التواصلية الأخرى التي سجلت ملايين اخرى من المشاهدات.

نعتقد ان الـ (مكس) الذي صنعه محمد عبد الجبار، كان تجربة تستحق الاشارة والاشادة، ورفع القبعة لهذه الهمة، ولهذا التعاون المثمر، بين الثلاثي الذي كان من اضلاعه شاعرنا الكبير فالح حسون الدراجي، بتاريخه وحاضره، وملحننا الشغوف علي بدر بكل تلويناته اللحنية المفرطة بالرقة والعذوبة والجمال، وتحسس مجسات الرهافة المبثوثة عبر نص (انت تحبني).

ختاماً :

شكراً عبد الجبار.. لقد أطربتنا وأمتعتنا بهذه الأغنية، وزرعت فينا أملاً أخضر، وثقة عنيدة، بمستقبل الأغنية العراقية الرصينة، إذ إن هذا العمل الباهر الذي قدمته قد عزز  ثقتنا بأن الجمال باق، والأصالة باقية مهما استقوت رياح الإنحطاط والتردي في الساحة الفنية !

علق هنا