مستقبل الكاظمي .. ومستقبل القوى الديمقراطية والمدنية والتشرينية، متوقف على مدى ائتلافهم في جبهة انتخابية واحدة

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في (العراق اليوم) :

طوال السبعة عشر عاماً الماضية، عملت القوى السياسية المُتحكمة بالمشهد السياسي في البلاد على منع حدوث انقسام عامودي في المجتمع، بل على العكس كرست انقساماً افقياً ملحوظاً على مستوى الطوائف والقوميات، لتكريس نفوذها.

لذا بات من المنطقي مثلاً أن يصطف اليوم الفلاح في الجنوب والوسط والشمال خلف جبهة واحدة تمثل مصالحه الطبقية، وكذلك العامل وبقية الفئات الشعبية الأخرى، إذ ما جدوى وقوف العامل أو الفلاح أو الموظف البسيط خلف امراء الطوائف، وزعماء القوميات، أو اصطفافه مع طبقات برجوازية عالية لا تُمثل مصالحه ولا تسمع صوته او تدافع عن حقوقه البسيطة التي يحلم بكسبها، وتحقيقها عبر الدولة.

هذا لأن الانقسام المنطقي مفقود، والصراع السياسي في حقيقته لم يكن صراعاً سياسياً حقيقياً كما يفترض المنطق، بل كان صراع إرادات وطوائف وقوميات، يدعي اشخاص تمثيلها عبر حزبية مناطقية، فئوية، غير ممتدة على نطاق الوطن.

هذا الشرخ الذي حدث، منع بالضرورة طبقات واسعة من ابناء الشعب العراقي من حقوقهم، كما منعهم من التكتل خلف مصالحهم الحقيقية، وأوهمهم بالدفاع عن مصالح لا تمت لهم بصلة، وهذا الذي كرس الطائفية والقومية في البلاد للأسف الشديد.

إزاء هذه القاعدة البائسة، كانت بالمقابل استثناءات قليلة تحاول جاهدةً أن تخترق هذا الجدار الصلد الذي وضعته تلك القوى امام المواطن، وعملت على دق أسفين بينه وبين نظيره المواطن الأخر، وقد بقيت بعض هذه الأحزاب والقوى السياسية تعمل على امتداد خارطة العراق، ومنها على سبيل المثال قوى التحالفات المدنية على قلتها، والحزب الشيوعي العراقي في طليعتها، ولكنها كانت تبني وتحفر بأزميل صغير في جبل كونته المصالح (الطوائفية والقومية) واحتمت خلفه امبراطوريات مالية واقتصادية موازية.

 ومن الطبيعي ان الرهان على أبقاء ( الجماهير) متقوقعة في هذه الشرانق الطائفية او القومية، وحبيسة القداسات المُصطنعة، كان خاطئاً بالمرة، ويبدو أن القوى السياسية المتنفذة والمهيمنة على مقاليد البلاد لم تحتسب ليوم آت، يوم لاينفع فيه جاه ولا نفوذ !

ودليلنا على مانقول هو ما حدث في تشرين 2019، من أرتداد اجتماعي رافض لمنطق الطوائف وامرائها، والقوميات المتصلبة وسدنتها التاريخيين!.

إن ما حدث في تشرين وما أعقبه اعاد فرز الانقسام مجدداً، وهذه المرة على أساسه الصحيح، فكان انقساماً للفقراء وطبقات المحرومين والمهمشين في جنوب ووسط العراق وحتى في كردستان العراق، وهنا بدأت بوادر وعي شعبي حقيقي، يُفضل ان يخوض الصراع السياسي تحت رداء المصالح الاقتصادية، ويبحث عمن يترجم له مصالحه في القوانين، لا في بطون كتب الفقه والأدبيات القومية المتحجرة، وهذا التحول نوعي وكمي في آن واحد، ويجب ان لا تضيع القوى التقدمية والمدنية الفرصة والبوصلة في مراكمة هذا التحول النوعي، وأن لا تفسح الفرصة ثانيةً لتلك القوى المرفوضة بقرار شعبي صارم لمعاودة فرز المجتمع افقياً تحت رداء "المظلوميات"،  أو الحقوق القومية الضائعة.

ان امام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي انتجته حركة الوعي الشعبي كفيصل بينها وبين القوى الممسكة بالسلطة، فرصة ذهبية هو ومعه كل المؤمنين بعراق المواطنة، والخارجين عن نظام الطوائف والملل والقوميات سيء الصيت، لا سيما رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وقوى تشرين المجيدة، وقوى اليسار العراقي، وفي طليعتها الحزب الشيوعي العراقي صاحب التاريخ والحاضر الوطني والنزيه المشرف، وأيضاً الشخصيات والكتل والتحالفات الإسلامية وغير الاسلامية المستقلة مثل تحالف (عراقيون) الذي يتزعمه السيد عمار الحكيم، اضافة الى العناصر الوطنية والأكاديمية والتكنوقراطية الوسطية المعتدلة، مثل النواب محمد شياع السوداني ومحمد صاحب الدراجي ويوسف الكلابي، والوزير الأسبق قاسم الأعرجي، والوزير الاسبق عرفان الحيالي، وغيرهم من العناصر المستقلة، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النقابية والمهنية التي تدافع عن حقوق الشرائح العمالية والكادحة والمناضلة من إجل غد أفضل، كل هذه القوى مدعوة لتغليب روح المواطنة وروح التضحية المعروفة عنها، وتجاوز الجزئيات وخوض الانتخابات القادمة بلائحة انتخابية موحدة من شمال العراق الى اقصى جنوبه، وهي تحمل هموم وآمال وطموحات المواطن العراقي المحروم.

ان تشكيل واتفاق هكذا عدد من القوى السياسية والمدنية على برنامج وطني واضح سيفرز  مؤكداً كتلة نيابية قوية، تكون سبباً في تأمين مستقبل سياسي ممتاز للكاظمي ولبرنامجه الذي لم يستطع تنفيذه كاملاً الان بسبب وجود الكتل المهيمنة في البرلمان، وفي ذات الوقت سيمنح للقوى والشخصيات الديمقراطية المنضوية في كتلة الكاظمي مساحة اكبر واسع للحركة والتأثير في صناعة القرار، وتنفيذ برامجها الوطنية والإقتصادية الشاملة.

 نتمنى ونرجو مخلصين أن نرى هذا التقارب الوطني المُرتقب، وان يغلب صوت المواطنة فوق أي اعتبارات أخرى.

فهل سيتحقق الرجاء، ونجد على رأس الدولة من يستحق أن نعقد عليه الأمل، " حراً  " دون قيود ومساومات إستغلالية، ودون تهديدات (بسحب) الثقة منه، ومن صناعة القرار الوطني؟

علق هنا