داعش ينقل معاركه إلى المناطق الشيعيّة في وسط العراق وجنوبه

بغداد- العراق اليوم:

وسيم باسم

أعلن محافظ النجف لؤي الياسري ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس عن تشكيل فوجين من الحشد الشعبي لمسك بادية النجف، في 15 من يناير الحالي. وقد تم الاعلان ايضا عن بناء خندق بطول خمسين كليومتر في الجانب الغربي من المدينة لحمايتها من المتسللين الارهابيين. بعد خسائره الكبيرة في الموصل، يسعى تنظيم "داعش" لنقل عمليّاته إلى الوسط والجنوب العراقيّ، اللذين تسكنهما أغلبية شيعيّة يكنّ لها "داعش" العداء بشكل خاص، عبر القيام بعمليّات نوعيّة كتلك التي هاجم فيها أفراد تنظيمه في 1 كانون الثاني/يناير من عام 2017 مدينة النجف - جنوب العراق، وهي مكان إقامة المراجع الشيعيّة، واعترف بتبنّيه لها، مؤكّداً أنّ خمسة انتحاريّين قاموا بالعمليّة. ثمّ عزّز محاولته اختراق المدن الشيعيّة في 8 كانون الثاني/يناير من عام 2017 بضبط الأجهزة الأمنيّة سيّارة مفخّخة في محافظة واسط ذات الأغلبيّة الشيعيّة.

وفي محاولة أخرى في 2 كانون الثاني/يناير من عام 2017، اشتبكت فصائل الحشد الشعبيّ مع عدد من مسلّحي "داعش" في منطقة صحراء النخيب المتاخمة لكربلاء الشيعيّة، بعدما حاول المسلّحون التسلّل إلى كربلاء والنجف، حيث استدعى ذلك، بحث محافظ كربلاء عقيل الطريحي الوضع الأمنيّ في المناطق الحدوديّة للمحافظة وسبل تعزيزها عسكريّاً.

وتعدّ هجمات "داعش" في الجنوب الشيعيّ تطوّراً نوعيّاً في نشاط التنظيم، حيث كانت قد تنعّمت تلك المناطق بأمان نسبيّ طوال السنوات الماضية. أمّا الآن فتشهد تلك المناطق سلسلة من محاولات "داعش" لإثبات قدراته على اختراق الأمن في الوسط والجنوب البعيدين عن أماكن تواجده في غرب العراق وشماله، إذ يعتبرها التنظيم حاضنة له. وقبيل بداية عام 2017، في 11 كانون الأوّل/ديسمبر، أعلنت الحكومة المحليّة في بابل (جنوب) حال الطوارئ، بعد تعرّض الأجهزة الأمنيّة إلى هجوم في ناحية "جرف النصر".

ولم يمنع نجاح الخطط الأمنيّة الواسعة لحماية مدن الوسط والجنوب، لا سيّما كربلاء والنجف المقدّستين، "داعش" من إحداث اختراق وتحقيق أهدافه في إيقاع الخسائر بالمواطنين والقوّات الأمنيّة، ففي 25 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016، اعترف التنظيم بأنّ الانتحاريّ العراقيّ أبا فهد هو من فجّر الصهريج المفخّخ في محطّة وقود على طريق الديوانيّة - بابل (جنوب) وقتل وجرح حوالي 200 شيعيّ من عراقيّين وزوّار دينييّن من إيران والبحرين.

وأعلن "داعش" عبر بيان أنّ مهاجمة كربلاء والنجف الشيعيّتين (جنوب) هي ثأر لما يحصل في الموصل، حيث تشنّ القوّات العراقيّة، مدعومة بقوّات التّحالف الدوليّ، عمليّة عسكريّة كبرى منذ 16 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016.

وأضفى أبعاداً دينيّة وتاريخيّة على هذا الهجوم بالتأكيد أنّ "معركة الموصل هي للثأر من قتلة الحسين (يقصد الشيعة)، الذي قُتل في واقعة كربلاء المشهورة". وبذلك، يتّهم "داعش" الشيعة أنفسهم بقتل إمامهم الثالث حسين بن عليّ.

وإنّ هذا التحدّي الواضح من "داعش"، لا يجد فيه عضو لجنة الأمن والدفاع النيابيّة عبد العزيز حسن سوى "ردّ فعل على خسائره في الموصل، محاولاً توظيف الخلايا النائمة للقيام بعمليّات إرهابيّة لأجل رفع معنويّات مقاتليه"، مشيراً إلى أنّ "الفشل ينتظر التنظيم، لا سيّما أنّ الخطط الأمنيّة المعدّة تُفشل محاولاته، وأنّ نجاحه في بعض العمليّات ليس مقياساً على تطوّر وجوده في الوسط والجنوب، بل إنّ ما حدث هو مجرّد اختراق أمنيّ يمكن معالجته".

ولكن "داعش" شنّ هجمات في جنوب العراق حتّى قبل عمليّات الموصل، وبالتحديد في 4 نيسان/إبريل من عام 2016، حيث قام بعمليّة انتحاريّة بتفجير استهدف تجمّعاً للحشد الشعبيّ في منطقة أم عنيج الرابطة بين ذي قار والبصرة انتهت بمقتل أربعة أشخاص وإصابة العشرات.

وأمام هذا التحدّي الذي يفرضه "داعش"، رأى النائب عن محافظة النجف صادق اللّبان " أنّ "داعش يسعى منذ زمن طويل إلى تنفيذ عمليّات إرهابيّة في الأماكن المقدّسة الشيعيّة مثل النجف وكربلاء في إطار الكراهيّة الدينيّة، التي يبديها تجاه هذه الطائفة من المسلمين". واعتبر أنّ "داعش يهدف من وراء ذلك إلى خلق فتنة شيعيّة - سنيّة لإشعال حرب طائفيّة طويلة الأمد تمكّنه من البقاء في العراق".

وقلّل اللبان من أهميّة الهجوم على النجف، مؤكّداً أنّ "هجوم النجف خرق بسيط لم يسفر عن تحقيق داعش لأهدافه، ودلالة على ضعف قدراته وخلاياه النائمة في مناطق الوسط والجنوب المُسيطر عليها أمنيّاً من قبل قيادة العمليّات المشتركة والحشد الشعبيّ، التي تتولّى مهمّة تأمين حدود المحافظات، خصوصاً كربلاء والنجف"، وقال: "إنّ أحد أسباب فشل داعش في الوسط والجنوب هو أهالي المناطق الذين يتصدّون له مع القوّات الأمنيّة، لا سيّما أنّه يكفّرهم ويعتبرهم خارجين على الإسلام ويبيح قتلهم".

وإذا كان اللبان يقلّل من شأن إمكانيّة التنظيم في توسيع عمليّاته إلى الوسط والجنوب، فإنّ المحكمة الجنائيّة المركزيّة المتخصّصة بقضايا الإرهاب والجريمة المنظّمة في بغداد، كشفت في 31 آب/أغسطس من عام 2016 عن أنّ التنظيم يستغلّ البساتين والمزارع المتداخلة في مناطق حزام العاصمة المحاذية لمدن الوسط والجنوب لتحويلها إلى "مضافات" لعناصره، لا سيّما الإنتحاريين، وكذلك إنشاء معسكرات تدريب لمقاتليه.

وإنّ أهمّ دافع لـ"داعش" للقيام بعمليّات عسكريّة في الوسط والجنوب، من وجهة نظر المحلّل السياسيّ والكاتب في صحيفة "الصباح" العراقيّة قاسم موزان، هو "إثبات الوجود وصرف الأنظار عن هزائمه في الموصل، وقبل ذلك في الفلّوجة، وربّما سيحاول القيام بعمليّات نوعيّة مثل مهاجمة مقرّات الحشد الشعبيّ بهدف رفع معنويّات مقاتليه". ​

لقد قام داعش بأكثر من 1100 عمليّة إنتحاريّة في سوريا والعراق خلال عام 2016، وليس من المستبعد أن يوظّف بعضاً من هذه العمليّات في مناطق جديدة، لم يصلها من قبل، إذ يشكّل بعض مناطق حزام بغداد قواعد انطلاق لعناصره نحو مدن في وسط العراق وجنوبه.

 

- عن الـ"مونيتور"

علق هنا