العراق أمام إجراءات وقرارات أمريكية أفضلها سيء !

بغداد- العراق اليوم:

وجد العراق نفسه فجأة أمام إحتمالين قاسيين، من "الحليف" الأميركي، لا يملك أجوبة سهلة لكيفية التعامل معهما، أولهما إحتمال إغلاق السفارة الاميركية في بغداد، وثانيهما، احتمال لجوء واشنطن الى فرض عقوبات على العراق.

وفيما ما زال التهديد بإغلاق السفارة في بغداد قيد البحث من الجانب الاميركي، أو قيد الاستخدام كأداة ضغط على حكومة مصطفى الكاظمي لضمان الحماية للمقرات الديبلوماسية والعسكرية الاميركية على الاراضي العراقية، الخيارات المحتملة لمثل هذه الخطوة الاميركية هي الانتقال بنشاط السفير الاميركي وسفارته الى اربيل، الى ان تنجلي غيوم الظروف الأمنية لتكون أكثر طمأنينة للاميركيين في بغداد.

ويبدو ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب لا يحتمل المجازفة بفقدان جنود أو دبلوماسيين أميركيين في الأسابيع القليلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الاميركية، بحيث يتعرض لهجوم من الديمقراطيين بانه كان على دراية بالمخاطر القائمة عراقيا لكنه لم يتحرك لتأمين سلامة الاميركيين. ولذلك، فإن خطوة اغلاق السفارة او سحب السفير الى اقليم كوردستان، لا يبدو احتمالا مستبعدا تماما، بحسب مصادر مطلعة.

ولهذا، فان بامكان حكومة بغداد ان تتحمل الخيار المر بسحب السفير الاميركي من بغداد الى اربيل طالما انها خطوة اميركية مؤقتة، لكن ما يثير القلق والتساؤلات في بغداد بشكل أكثر جدية، احتمال أن تعمد الادارة الاميركية الى فرض عقوبات على العراق، وهو ما سيشكل تطورا خطيرا بين بغداد وواشنطن اللتان خاضتا في الاسابيع الماضية نقاشات معمقة حول مستقبل العلاقات بينهما في إطار الحوار الاستراتيجي والذي توجه بالزيارة الاولى من نوعها منذ سنوات لرئيس حكومة العراق الى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي.

وسبق ان لوح باحثون وخبراء أميركيون بضرورة ان تستخدم واشنطن "عصا العقوبات" في وجه بغداد، لاجبارها على السير على طريق التغييرات السياسية والامنية والاصلاحية، لكنها ظلت في اطار التحليلات والتوصيات، ولم تتحول الى قناعة داخل أروقة الادارة الاميركية، خصوصا في البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة والبنتاغون.

وظلت بغداد مطمئنة الى حسن علاقتها مع الادارات الاميركية المتعاقبة مهما كانت الظروف لان واشنطن ظلت تتعامل مع العراق باعتباره دولة مركزية في الحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة وفي الحرب على الإرهاب والتصدي للنفوذ الايراني. ولهذا، فإن الانتقال الى مرحلة الإجراءات العقابية، ظل بالنسبة الى العديد من المسؤولين العراقيين، بالاضافة الى المراقبين والمحللين في العراق، خيارا غير مرجح.

وقال الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي فاضل أبو رغيف ، انه "في حال أقدمت الولايات المتحدة على اغلاق سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، فلن تكون هناك اي عقوبات خلف اي قرار تتخذه الإدارة الأمريكية، فالعراق مازال يعتبر الهدف الاستراتيجي لواشنطن في الشرق الاوسط".

وغالب الظن، ان هناك انموذجاً يثير قلق المسؤولين العراقية وقيادات الاحزاب فيه، وهو لبنان. فعلى الرغم من تأكيد الادارات الاميركية المتعاقبة حرصها على استقرار الحكم في بيروت، خصوصا في السنوات الماضية، الا ان ذلك لم يمنع واشنطن من فرض عقوبات لا على النظام اللبناني الرسمي، وإنما على شخصيات وقوى، بينها من هم في السلطة او من المقربين منها، وذلك بتهم مختلفة ووفق قوانين عقوبات اميركية متنوعة.

ومثلما للعراق أهميته الاقليمية الفريدة بالنسبة إلى الأميركيين، فان للبنان ايضا اعتبارات اميركية اخرى مهمة، من بينها ان اي اضطراب أمني فيه يمكن أن يشكل خطرا على أمن اسرائيل وينعكس سلبا عليها، وهي الدولة المحورية في الاهتمام الأميركي في الشرق الاوسط.

لذلك، بإمكان واشنطن على ما يبدو ان ترسم خطا فاصلا واضحا بالنسبة إليها، ما بين حسن علاقتها مع الدولة المركزية، وبين القوى والشخصيات الاخرى، سواء في العراق او في لبنان، اذا ارتأت واشنطن انها تمس بمصالحها. وقد سبق لوزارة الخزانة الاميركية ان فرضت العقوبات على عشرات الشخصيات والكيانات اللبنانية، خلال الأعوام القليلة الماضية، وكان آخرها قبل ثلاثة اسابيع على سياسيين بارزين توليا مناصب وزارية سابقا هما علي حسن خليل ويوسف فينيانوس، والاول من الطائفة الشيعية والثاني من الطائفة المسيحية.

وتتراوح التهم التي تستخدم عادة، دعم الارهاب او تمويله او الارتباط ب"حزب الله"، ثم راحت تتطور الاتهامات الى أدوار مرتبطة بالحرب في سوريا، واضيفت اليها مؤخرا، مع ادراج فينيانوس وحسن خليل، اتهامات على غرار الفساد وقمع تطلعات الشعب اللبناني.

تصلح مثل هذه الاتهامات لتستخدم في العراق أيضا. القوانين الاميركية جاهزة، ولا تحتاج سوى الى مصادقة من الرئيس الاميركي على الاسماء المقدمة اليه. وزارة الخزانة الاميركية لديها لوائح جاهزة بأسماء من يمكن اتهامهم، وبالتشاور مع وزارة الخارجية ووزارة العدل.

فعلى سبيل المثال، يخول "قانون ماغنيتسكي" الولايات المتحدة فرض عقوبات على من تتهمهم بانتهاك حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم من خلال تجميد أصولهم وتعاملاتهم المالية عبر البنوك والمؤسسات المالية عالميا، وحظرهم من دخول الاراضي الاميركية. ويعزز هذا القانون، قانون آخر هو قانون مكافحة الإرهاب المسمى "باتريوت آكت" الصادر بعد هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001.

كما اكد "بينما تعمل الولايات المتحدة على تأمين الدعم المالي للعراق من المجتمع الدولي ومختلف شركات القطاع الخاص، يظل وجود الميليشيات الخارجة عن القانون والمدعومة من إيران أكبر رادع منفرد للاستثمار الإضافي في العراق".

وبامكان الاميركيين ان يقولوا، مثلما قالوا حول لبنان مؤخرا، ان هذه المجموعات المسلحة ومن يقودها، يساهمون في ضرب تطلعات الشعب العراقي نحو الاستقرار والأمن والازدهار. ففي حديثه مع وكالة شفق نيوز، قال متحدث باسم الخارجية الاميركية انه "بينما تعمل الولايات المتحدة على تأمين الدعم المالي للعراق من المجتمع الدولي ومختلف شركات القطاع الخاص، يظل وجود الميليشيات الخارجة عن القانون والمدعومة من إيران، أكبر رادع منفرد للاستثمار الإضافي في العراق".

ومع ذلك، فان للخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي فاضل أبو رغيف وجهة نظر أخرى اذ قال لوكالة شفق نيوز، "قطعاً لن تكون هناك اي عقوبات، خصوصاً ان أميركا هي جزء ممن صنع النظام السياسي العراقي، فهي لن تفرض عقوبات على حلفائها في العراق، حتى وان اغلقت السفارة".

وأوضح أبو رغيف انه "في حال اقدمت الولايات المتحدة على اغلاق سفارتها في العاصمة العراقية بغداد، فهذا اجراء يعتبر نوعا من الاحتجاج على بعض عمليات القصف الصاروخي، وهذا لا يقطع العلاقة بين بغداد وواشنطن بل سيبقى التواصل وبإمكان ذراع العقوبات الأميركية وأخطرها تلك التي تفرضها هيئة "أوفاك (OFAC)" التابعة لوزارة الخزانة الاميركية، ان تطال مفاصل أخرى في الجسد العراقي، ربما تكون القوى السياسية والحزبية ورجال الأعمال الذين كان لهم ادوار مختلفة على الساحة السورية، سواء في الحرب نفسها، او في التعاملات الاقتصادية حتى لو كانت تجارية بحتة ولا تطال شؤون الامن والعسكر.

ففي 20 يناير/كانون الثاني الماضي صدر ما يسمى "قانون قيصر سوريا للحماية المدنية"، والذي أصبح ساريا رسميا في 17 يونيو/حزيران الماضي، ويستهدف أساسا معاقبة النظام السورية على جرائم الحرب، لكنه أيضا، وهنا الخطورة، انه يجيز للاميركيين معاقبة كل من له علاقة تجارية، مالية، استثمارية، بنكية، عسكرية أو أمنية مع السوريين، وهو قانون يحظر فعليا على أي جهة أو دولة ابرام عقود مع دمشق، حتى لشؤون إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وبالتالي، فإن أكثر المتضررين منه قد تكون الشركات الروسية والايرانية.. وربما العراقية التي تراهن على الاستثمار في عجلة إعادة الإعمار الهائلة في سوريا.  

اذا من الممكن ان يختار ترامب الموافقة على لائحة اسماء عراقية، تضم شخصيات حزبية خصوصا ربما من فصائل الحشد الشعبي، التي قاتلت في الساحة السورية ضد الارهاب، وقد تضم أسماء وزراء أو مسؤولين عراقيين تشتبه واشنطن بأنهم سهلوا او تعاونوا مع نظرائهم السوريين او الايرانيين.  

ومن شأن مثل هذه العقوبات، فيما لو طبقت فعلا، ان تربك الساحة السياسة العراقية بشكل كبير، وتضع عراقيل إضافية امام الكاظمي الذي يسعى جاهدا الى معالجة اطنان من الملفات والأزمات القائمة.  ولعل اجتماع "الرئاسات العراقية الاربع" الأخير، استباق لما يهدد به الاميركيون، وفق ما صدر عن الاجتماع، بضرورة حصر السلاح بيد الدولة وحماية البعثات الدبلوماسية والتصدي للأعمال "الخارجة عن القانون"، وذلك بحضور، رئيس الجمهورية برهم صالح والكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان.

اذا انعقد الاجتماع الرباعي في هذه الاجواء المتوترة، وهو بمثابة رسالة بعزم السلطات العراقية معالجة العوامل التي قد تقود الاميركيين اما الى الخروج من السفارة في بغداد، او فرض عقوبات مفاجئة على شخصيات واحزاب عراقية، او كليهما معا.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" كشفت نقلاً عن دبلوماسي، أن واشنطن قد تغلق السفارة في بغداد لمدة تسعين يومياً، وذلك في اعقاب تحذير وزير الخارجية مايك بومبيو، العراق بشكل سري من أن بلاده ستغلق سفارتها في بغداد، إذا لم تتحرك الحكومة العراقية  لوقف هجمات الفصائل المدعومة من طهران على المصالح الأميركية.

وذكرت الصحيفة في تقرير ، "أبلغت الولايات المتحدة الحكومة العراقية وشركائها الدبلوماسيين أنها تخطط لانسحاب كامل من سفارتها في بغداد ما لم يكبح العراق الهجمات على الأفراد المرتبطين بالوجود الأمريكي هناك - وهي خطوة قال مسؤولون عراقيون إنها فاجأتهم".

ونقلت الصحيفة عن احمد ملا طلال المتحدث باسم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، "نأمل أن تعيد الإدارة الأمريكية النظر بالأمر. هناك جماعات خارجة عن القانون تحاول زعزعة هذه العلاقة وإغلاق السفارة سيبعث برسالة سلبية".

كما نقلت عن مسؤولين غربيين في بغداد إن البعثات الدبلوماسية لبلادهما أُبلغت بالخطة، كما أكد "دبلوماسي مطلع على الوضع"، "من المتوقع أن تستغرق عملية إغلاق السفارة 90 يومًا، وهي نافذة من شأنها أن تمنح إدارة ترامب الفرصة لإعادة تقييم القرار".

وقال مسؤول عراقي إن الحكومة الأمريكية طلبت اتخاذ إجراءات أقوى ضد الميليشيات، مشيرا إلى أنه يمكن تجنب إغلاق إذا حدث ذلك.

وقال مسؤول كبير في مكتب الكاظمي يوم الأحد إن رئيس الوزراء يضغط الآن على الشركاء الأوروبيين لمحاولة إقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن قرارها، مشيرًا إلى "العواقب السلبية" التي قد تترتب على استقرار البلاد، فيما قال مسؤولون من ثلاث سفارات أوروبية في بغداد إن بلادهم ستبقى حتى لو غادرت الولايات المتحدة.

وبتقدير ابو رغيف الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي، فان "الولايات المتحدة، لن تقدم على اغلاق سفارتها في العراق، فواشنطن ليس من النوع الذي تنسحب متقهرة".

اما استاذ العلوم السياسية في العاصمة بغداد عصام الفيلي، فقد قال لوكالة شفق نيوز، ان "العراق من الناحية العملية، تنظر اليه الولايات المتحدة، كحليف محايد إيجابي، ولهذا لا يمكن لواشنطن ترك العراق، وطبيعة الخطاب العراقي، خصوصاً الرسمي، يؤكد بان العراق ينأى بنفسه عن الصراعات الاقليمية والدولية، وهذا ما يجعل الدعم الأميركي للعراق مستمرا".

وبين الفيلي انه "حتى وان اتخذت واشنطن قرارا بإيقاف عمل السفارة، بشكل مؤقت، وليس اغلاق، فهي لن تتخذ اي عقوبات على العراق، خصوصاً ان اميركا تدرك انه باغلاق السفارة، سيكون هناك اغلاق للسفارات والبعثات والقنصليات الاخرى، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة"، مؤكداً ان واشنطن "لا تريد الوصول الى نقطة اللاعودة، ولهذا لن يكون هناك اي فرض عقوبات على العراق".

وأضاف ان "التلويح أو التهديد باغلاق السفارة، هو بالون اختبار من قبل واشنطن، لجس نبض القوى السياسية ومواقف الدول الاخرى، كما هي رسالة للفصائل المسلحة بالدرجة الاولى، بان استمرار العمل بعمليات القصف واستهداف الارتال، فسيكون هناك موقف أميركي بإيقاف مؤقت لعمل السفارة او انسحاب السفير الاميركي الى القنصلية في أربيل"

علق هنا