على ذمة (الأخبار) اللبنانية .. واشنطن تقايض بغداد: التطبيع مع إسرائيل مقابل الانسحاب، وطهران اتركو أمرها لنا !

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

يبدو أن بقعة زيت التطبيع الإسرائيلية تتسع في (بحر العرب)، خاصة وإن خلف أنتشار هذه البقعة تقف (أمريكا ترامب) بكل ثقلها المادي والمعنوي، وهذا الثقل تستخدمه امريكا ترغيباً وترهيبا.

واليوم، وبعد التطبيع الإسرائيلي الأماراتي، والتطبيع مع البحرين، ثم التطبيع الذي سيجهز  مع السودان خلال هذا الاسبوع، كما أن الأنباء ترشح عمان وموريتانيا وقطر والمغرب للتطبيع مع اسرائيل أيضاً خلال اسابيع لا أكثر، وقد تتسع بقعة التطبيع أكثر فأكثر حتى تشمل  أغلب مساحة خارطة بحر العرب، لكن ثمة حقيقة يجب أن يعرفها العراقيون بشكل خاص، والعرب بشكل عام، أن عين اسرائيل لن تقنع ولن تشبع، وقلبها لن يهدأ ويستريح إلا حين ترى العراق يدخل قفصها التطبيعي، فإسرائيل ترى أن (شركة) التطبيع، مهما كبرت واتسعت، لن تنجح تجارتها بدون عضوية وشراكة بغداد !رغم هذا العدد الكبير من الدول العربية (المتطبعة)، بما في ذلك دول مصر والأردن، والسعودية (التي ينشط فيها ولي العهد محمد بن سلمان لتهيئة المناخ وإعداد المسرح المناسب لإجراء عرض التطبيع مع الرياض قريباً جداً )! أقول، رغم كل هذا العدد من الدول التي طبعت وستطبع مع إسرائيل، فإن تل أبيب لا تقتنع ولا تشبع إلا حين ترى العراق في سلة تطبيعها، ولأن العراق شعباً وموارد، وتاريخاً وجغرافية ومستقبلاً، وخصوصية مادية متجذرة في حسابات (اليهودي)، فضلاً عن أسباب تتعلق بالرؤية والأبجدية التوراتية المشفرة،  فإن إسرائيل تنظر الى الجميع بعين، والعراق وحده بعين، وهذا ليس إنكاراً للآخرين لا سمح الله، ولا غروراً مني، أو مديحاً مجانياً أبثه هنا كفصل من فصول الدعاية لبلدي، إنما هي حقيقة لا يجد الساسة والزعماء في إسرائيل حرجاً بإعلانها كلما تطلب الأمر إعلانها على الملأ !

إن تل أبيب تتمنى تطبيعاً مع العراق بل وتعد هذا التطبيع أمنية من أغلى أمانيها، فالعراق -بما يملك من متوفرات وإمكانات بشرية عظيمة - يعني لإسرائيل خطراً مستقبلياً يهدد وجودها حتى لو بعد قرن من الزمان. وعلى هذا الأساس تسعى إسرائيل وخلفها أمريكا بكل الوسائل، لتحقيق التطبيع مع العراق، وغلق هذا الباب الذي ستأتي منه الريح، كي تستريح!

ومن أجل ان تستريح تل أبيب فعلاً، أوكلت المهمة الى ترامب ليقوم بها،  ويضطلع بدور الوسيط في القضية، رغم ان العراقيين لا يثقون بترامب، ولا يرغبون بوساطته في جميع القضايا وليس بهذه القضية فقط. والمشكلة أن ترامب واسرائيل يعلمان جيداً أن التطبيع مع العراق أشد صعوبة من المستحيل نفسه - على الأقل في الوقت الحالي، حيث الاجواء المشحونة، والمناخات السياسية والأمنية والنفسية الشعبية في العراق المتوترة والملبدة بغيوم الكراهية السوداء لكل ما هو اسرائيلي، ويغذي هذه الكراهية ما تقوم به تل أبيب من تصرفات همجية وعدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم.

ونتيجة لذلك تضطر (امريكا ترامب) الى إستخدام جميع الوسائل الضاغطة، وإستغلال كل المنافذ المتاحة وغير المتاحة من اجل اجبار العراق- ترهيباً وترغيباً معاً - على القبول بالتطبيع مع تل ابيب، وكذلك إغراء طهران بما يغريها، كي تدفعها للقبول بالتطبيع الإسرائيلي مع العراق، بإعتبار أن إيران لن توافق قطعاً على رؤية العلم الإسرائيلي يرتفع فوق سارية على حدودها مع العراق!

 وقطعاً فإن لاشيء يغري طهران ويسيل لعابها اليه مثل رفع الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض عليها من قبل امريكا!

إذاً، فأمريكا التي تظن إنها قادرة على كسب ورقة يانصيب التطبيع بين العراق واسرائيل، ستستخدم وسيلتين معاً: الأولى سحب قواتها من العراق، ودعم حكومة بغداد سياسياً ومالياً وفنياً، والثانية: رفع العقوبات عن طهران !

لكن ثمة شيئاً مهماً لم يخطر على بال اسرائيل وامريكا، إذ يبدو  أن ساسة هذين البلدين لم يحسبا له الحساب، ألا وهو المواطن العراقي، ومشاعره تجاه الكيان الصهيوني، فالعراقي الذي يتعايش مع جميع الأديان والأجناس دون مشكلة ما، يرفض بشدة التعايش والتطبيع مع نظام إحتلالي عدواني يحمل في بنيته أرثاً دموياً، وفي ضميره ووجدانه كرهاً وازدراءً للإنسان، لذلك نال هذا الكيان بجدارة،  كراهية العراقيين جميعاً !

نعم العراقيون يمقتون هذا الكيان العدواني، ولا يطبٌعون العلاقة معه ، ولا يهمهم إن رفعت العقوبات عن طهران أو بقيت، وإن ظلت القوات الامريكية أو انسحبت، فالأمر  سيان لديهم حين يتعلق الأمر بالموقف من اسرائيل !

علق هنا