أبناء القطاع النفطي يستغيثون ويصرخون: خذوا جميع الوزارات وإتركوا وزارة النفط للكاظمي!

بغداد- العراق اليوم:

هي ليست مناشدة، ولا دعوة أو رجاء، ولا هو إعلان، أو بيان، إنما هي صرخة تحذيرية مدوية أطلقها عدد من خبراء النفط، وترجمها الى أبجدية التخاطب عدد من كبار العاملين في هذه الوزارة، وفي مؤسسات الحقل النفطي عموماً.

هي صرخة فيها تحذير لكل من تهمه لقمة عيش العراقيين، وفيها تنبيه لكل من تعنيه كرامة هذا الشعب، كي لا يقف أبناؤه الكرام غداً أو ربما اليوم، على أبواب اللئام يشحذون رغيف خبزهم..

هي مناشدة للقوى السياسية التي تجتمع كل يوم من هذه الأيام المريرة والعصيبة، في بيت رئيس هذا التحالف، أو في مقر رئيس ذلك الائتلاف يناقشون حصصهم مع الرئيس المكلف، فيتوصلون الى نتائج سرعان ما تتسرب الى الإعلام، ويفرح لها عامة الناس وكل الخائفين على عراقهم، بعد أن تطمئنهم تلك الأخبار القادمة من بيت الحكيم،  أو من بيت العامري، أو المالكي أو  من بيوت غيرهم، فثمة إتفاق قد حصل والحمد لله، وثمة حكومة جديدة قوية ستتشكل وتبنى على أنقاض حكومة بائسة، مهدمة بسبب زلزال احتجاجي شعبي، أسقطها وأسقط كل ما تبقى من حجج واهية كان يتشدق بها رئيسها المريض !

ولكن هذا الفرح وهذه البهجة لن تدوم سوى ساعات، حتى تأتي التسريبات الأخرى بخبر إجتماع جديد قادم من بيت زعيم آخر ، تنسف فيه الإتفاق الحاصل في اجتماع ليلة البارحة !

وهكذا تتواصل الإجتماعات، وتتوالى التسريبات، وتتوالد الإحباطات في نفوس الناس، فتشتغل المخيلة الشعبية، وتنتج أشكالاً والواناً من التشكيلات الوزارية، (والكابينات) التي لا تخطر على بال أحد من قبل!

ويوماً بعد يوم تتقلص مهلة التكليف، ولم يعد أمام المكلف غير خمسة أو ستة أيام لا غير، ومع تساقط أوراق الأيام من روزنامة المهلة المقررة، تتساقط الأسماء المرشحة، ويصبح التنافس على أشده بين الكتل السياسية من جهة، وبين المرشحين للحقائب الوزارية من جهة أخرى، حيث يستخدم الضرب تحت الحزام بقوة بين اغلب المرشحين والمتنافسين على حقيبة واحدة، ثم تأتي رياح التسريبات أمس بأخبار سامة محبطة، ولعل أفضل توصيف لهذه الاجتماعات ما قرأته لأحد الكتاب حين أسماها (تقاسم الأسلاب)!

وللحق فأنا حزين لهذا الوضع الذي وصلت اليه القوى السياسية، بل والعملية السياسية برمتها، ومتألم حد الوجع لهذا التوصيف المفجع!

فاليوم، وقبل خمسة أيام من إنتهاء المهلة، والتي تعني ضياع الفرصة الاخيرة التي راهن عليها الكثير من أبناء شعبنا، ونحن في أول صفوف المراهنين، نرفع نداءنا وصرختنا، مطالبين زعماء الكتل السياسية بكل ما في الرجاء من رجاء، أن يتقاسموا الحقائب الوزارية جميعها، ويأخذوا منها ما يأخذون، ويأتوا لها بما يشاؤون، إلا وزارة النفط، فهذه وزارة عيش العراقيين، ومنها يأتي أكثر من 90 بالمئة من موازنة الدولة، وبدون النفط يصبح العراق لا سمح الله مثل الصومال أو بنغلادش، وربما أشد فقراً من هذين البلدين!

لذلك، ونظراً لتكالب واستقتال المتحاصصين على حقيبة وزارة النفط، ونظراً للظروف الصعبة التي يمر بها العراق اقتصادياً، وبعد الانخفاض الخطير في أسعار النفط عالمياً، وبعد فشل الوفد العراقي في اجتماعات أوبك بالدفاع عن حق العراق في انتاج وتصدير نفطه بما يتلاءم وظروفه، ولأن وزارة النفط ليست مثل وزارة العمل أو وزارة الشباب، التي يمكن أن يديرهما أي شخص تتوفر فيه بعض المؤهلات، لكن وكما يعرف الجميع، فإن الشخص المستحق لتولي حقيبة النفط، لا يمكن توفره في غير أبناء القطاع النفطي تحديداً.

فهناك مواصفات استثنائية يحتاجها منصب وزير النفط، ومتطلبات خاصة يتعذر وجودها في شخص غير نفطي، حتى لو كان الشخص بموهبة أينشتاين، وبعبقرية ديغول!

والسبب هو أن وزارة النفط تحتاج الى شخص كان قد عمل في حقولها وآبارها ومستودعاتها وشركاتها مذ أن تخرج مهندساً، ثم تدرج عبر سنوات حياته العملية درجة درجة حتى وصل الى مراحل مهنية وظيفية متقدمة، بحيث يستطيع اليوم الإجابة عن أي سؤال فني يتعلق بعملية إنتاج وتصدير النفط دون الرجوع الى (غوغل)، أو الاستعانة بصديق أو استنساخ نشرة الأسعار السعودية (نشرة أرامكو)! كما يحتاج منصب وزير النفط الى شخص تتوفر فيه القدرة الإدارية والضبطية، والفنية العالية، والنزاهة والشرف المهني- وهما اليوم ميزتان نادرتان جداً -

ولعل منصب وزير النفط هو المنصب الوحيد الذي يتطلب قدرات وامكانات ومؤهلات دراسية وميدانية محددة، كما يحتاج الى عقلية تجارية وخبرة تسويقية علمية، مع ضرورة بل وشرط ان يحظى هذا الوزير بمعرفة وثقة جميع كوادر وإدارات القطاع النفطي، وإلا فسيصبح إضحوكة بينهم، فالقطاع النفطي قطاع خاص ذو حساسية ومزايا خاصة ايضاً، وهذه حقيقة واقعة فعلاً، وليس فيها أي مبالغة أو تهويل.

وعليه، فإن الضغوطات السياسية والكتلوية التي تمارس هذين اليومين على المكلف الكاظمي في ما يخص حقيبة النفط، هو أمر مرفوض تماماً، لأن استيزار شخص غير مؤهل لوزارة النفط هو بمثابة الخيانة العظمى التي سيحاسبهم عليها الشعب غداً، حين يتضح عجزه، ويبرز فشله وضعفه، فيكمل هذا الوزير (الجاهل) تدمير ما لم يدمره سلفه ثامر الغضبان، على الرغم من ان الغضبان دمر كل شيء، ولم يبق لخلفه موضعاً واحداً عامراً ألم أقل لكم أننا ننهض من تحت أنقاض زلزال مدمر، فهل سينجح الكاظمي في انتشال هذا البلد المدمر، ويوفق في إعادة الحياة اليه، وحتماً فإن أول مؤهلات هذا النجاح تكمن في اختيار وزير نفط شريف، تتوفر فيه الخبرة والتجربة والمؤهل الفني والعدالة والإستقلالية والتاريخ الوطني النظيف؟

علق هنا