الحلبوسي في كردستان … إعادة وضع النقاط على الحروف وتصحيح مسارات العلاقة الخاطئة

بغداد- العراق اليوم:

جواد شاكر حسون

‎منذ بدأ رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي زيارته الى اربيل مركز اقليم كردستان العراق، كانت عيون المحللين والمراقبين السياسيين، بل والسياسيين أنفسهم مشدودة الى هذه الزيارة، لأهميتها من حيث الزمان، وايضًا لدقة الظروف التي تمر بها البلاد، فضلًا عن خشية قديمة، اسس لها بعض رؤساء المجالس النيابية، وهي الخضوع لرغبات وسطوة وقوة الأقليم السياسية فيما سبق، حيث كان بعض الرؤساء يمارسون من خلال الزيارة نوعاًً من تقوية جبهاتهم الداخلية على حساب المصلحة الوطنية التي تهم الشركاء جميعهم، لذا كانت إدارات الأقليم السابقة تستغل هذا الحال وتفرض رؤيتها التي تحدُ على الأقل من الدور الذي تلعبه هذه الرئاسة في حسم ملفات العلاقة الملتبسة مع المركز، كما ان التطلع لهذه الزيارة يأتي بعد تغييرات داخلية شهدها الأقليم في الحانب السياسي، وتنحي الجيل الأول لصالح جيل جديد من الادارات الشابة

‎حقيبة الحلبوسي المليئة…!

‎ما ترشح عن هذه الزيارات المكوكية التي قام بها الحلبوسي شيء مختلف تماماً، حيث حمل رئيس البرلمان الشاب حقيبة المشاكل والهموم المشتركة، واضعاً في تصوره أنه رئيس برلمان اتحادي معني بكل جزء من العراق، وبالتالي ليست هناك غضاضة او حرج في مناقشة الملفات كلها، وإعادة فتح اكثرها حساسيةً، لا لإثارة الضغائن او تفجير الوضع الداخلي، بل لوضعها على طاولة النقاش العملي، ومحاولة فهم العوائق التي تمنع اعادة ضبط شكل العلاقة بين بغداد واربيل دستورياً، مما يتيح انهاء ملف الخلافات، وطي صفحة الابتزاز، وسياسة لي الأذرع التي يمارسها الأقليم في احيان كثيرة تجاه الحكومة الاتحادية، او تمارسها بغداد في احايين اقل.

‎الحلبوسي ليس ضيفاً في الاقليم !

‎الرئيس الحلبوسي اذن ليس ضيفاً، تحتفي به كردستان بروتوكولياً، بل هو رئيس اتحادي يزور جزءاً من الوطن، يناقش بقوة الدستور، وتخويل قوى الشعب مع جزء من ممثلي الشعب، المصالح العليا، ويضمن مصالح ابناء العراق من القومية الكردية، كما يضمن مصالح بقية ابناء الشعب العراقي، لذا فهو لم يكن ذاهباً كما هو واضح من سياق الزيارة لشراء دعم، او بيع مواقف لصالح تأمين وضعه الداخلي، أو الشخصي، وهذه بشائر خير في إن ثمة توازناً يلوح في الأفق في شكل العلاقة بين اربيل وبغداد، سيخرجها -أي هذه العلاقة -من اطر التبعيات الخاصة او الابتزاز السياسي، او الاستثمار في القوة لفرض الامر الواقع، بل ان هناك توجهاً واضحاً في استثمار القوة المشتركة بما يؤمن المصالح العليا للعراق.

‎تصحيح العلاقة!

‎هذا الفهم الجديد للدور الذي يلعبه رئيس مجلس النواب، وقيامه بالحديث بجرأة عن المشاكل، لا محاولة القفز عليها عبر بروتوكلات شكلية، خطوة ايجابية، تقرأ في سياق تصحيحي، مفيد لخيار الحكمة والعقلانية التي ينبغي ان تسود شكل العلاقة بين اربيل وبغداد بعد سنوات من التهور، واختبارات (العض) على الأصابع بإنتظار من يصرخ اولاً، أو محاولات كردستان السابقة بالتصرف كقطب منعزل عن العراق، او استثمارها في الخلافات القائمة في المركز، في خطوات عادت على اربيل وبالاً فيما بعد، كما رأينا في معضلة ظهور داعش وتهديده اربيل بشكل جدي، وازمة الاقليم المالية والسياسية الخانقة، لذا لم تجد اربيل غير بغداد منقذاً لها، ومن هذ الصورة تحظى زيارة الحلبوسي اليوم بترحيب واسع هناك، وتكتسب كما قلنا اهميتها السياسية في كونها نقاشاً هادئاً ومتوازناً مع مسؤول اتحادي مؤثر ومستقل بحجم الحلبوسي.

‎تحذير مشترك

‎في كشف سجل الزيارة سنجد انها لم تكن بروتوكولية عابرة، بل انها تفاعلت مع مصادر القرار، وقوة التأثير السياسي هناك، فلقاء الرئيس الحلبوسي مع زعيم الحزب الديمقراطي الكرستاني مسعود البرزاني، وما دار فيه كان حواراً مهماً ابلغ الحلبوسي مُضيفه بشكل واضح ان العلاقة بين بغداد واربيل لا مسار لها، ولا تصور محتمل لها مطلقاً، سوى المسار الدستوري، والتصور القانوني، وان على اربيل ان تضع في الحسبان انها جزء من العراق الاتحادي، تؤثر في صناعة جزء من قراره عبر كتلتها السياسية، ويجب ان تتأثر بقوة القرار الاتحادي وتضبط ذاتها معه، وهذا يصب وينسجم مع تطلعات ابناء الشعب العراقي عموماً كما ان استمرار مناخات الكراهية والتعصب القومي، لن تخدم في المستقبل أيًا من الطرفين، بل انها مساهمة مجانية في رفع اسهم  المتطرفين في بورصة الازمات وافتعالها، لذا فأن بغداد ليست مستعدة اليوم للمساهمة في إشعال حرائق جديدة، وبالتأكيد فأن اربيل لن تستفيد شيئًا من تصاعد آوار الخلافات، لذا نجد ان الجانبين شددا على عدم دعم خطابات التشدد، وان هذه الاصوات لا تمثل العقل السياسي في بغداد؛ وعلى اربيل ان تعيد قراءة المشهد ضمن الوحدة الوطنية، وان تأخذ استحقاقاتها ضمن الوثيقة الجامعة ( الدستور) لا اكثر ولا أقل بالتأكيد.

‎ادارة دستورية للخلاف السياسي

‎في اللقاءات الأخرى التي جرت مع رئيس الأقليم نيچرفان برزاني، ورئيس الوزراء مسرور برزاني واللقاء مع رئيس البرلمان في الأقليم ريواز فايق، سنجد ان الحلبوسي دائم التأكيد على أهمية تفعيل العمل بمبادئ الدستور، وضرورة الاسترشاد به في معالجة الاختلافات او الخلافات مع بغداد، فإدارة الخلاف دستورياً، هو المخرج الوحيد، وان سبب تفاقم الأزمات السابق هو القفز على هذا الثابت، ومحاولة استحضار اتفاقات او تفاهمات خارج هذا الفهم، مما فاقم المشاكل وراكمها، وهذا لم يعد قائماً في تصور عراق اليوم، بل أن التصور الأمثل، والتفاهم الأهم يجب ان يكون عبر الدستور الناظم لشكل العلاقة الاتحادية بين الأقاليم والمحافظات في إطار الوحدة الوطنية، وترك كل الماضي وسجالاته العقيمة خلف الظهور، فالأهم ان يحظى العراقيون - كل العراقيين - بفرص وحقوق متساوية، وان يلتزموا - جميعهم - بواجبات موحدة مهما اختلف الموقع الجغرافي او المكون الاثني او القومي. من هذا الفهم العميق والواضح، يمكننا قراءة زيارة الحلبوسي بهذه الأهمية، واكتسابها هذا القدر الكبير من المتابعة السياسية والإشادة بما حققته من دفع متوازن في العلاقة بين بغداد واربيل، بعد سنوات من التباس شكل هذه العلاقة، وغياب الرؤية المحددة لأطر التعامل المشترك.

علق هنا