فائق الشيخ علي ... المعارض حتى لنفسه !

بغداد- العراق اليوم:

اذا كان للجدل واثارته بوابة فبوابته لا تعدو هذا الرجل، أنه كتلة من الاثارات واللغط تمشي على قدمين، حاد، عصبي المزاج، سليط اللسان، حاضر البديهة، متيقظ، وثوري لسانياً ايضًا، يمزج الجد بالهزل، هجاء من العيار الثقيل، ولعل من اقترب من المجتمع النجفي الأصلي " مجتمع السور القديم"، سيعرف أن هذه الخصال او المزايا، او المثالب، سمها ما شئت هي جزء من الشخصية النجفية، التي لا تخشى من الجهر بما تعتقد، ولا تراعي بحكم طبيعة المدينة، وطوبوغرافيتها المتنوعة، للياقات الأدبية المعتادة في جنوب البلاد، أي خصوصية فتجدها شخصية حادة، وناقدة بلاذعة، وقد يصل الأمر الى التجريح في أحايين كثيرة. فائق دعبول عبد الله الشيخ علي، المحامي والسياسي العراقي، الذي تقول سيرته المنشورة على موقع مجلس النواب، بوصفه عضواً فيه للدورة الثانية على التوالي، انه من مواليد العام 1963، وهو عام مميز في التاريخ السياسي العراقي كما يعرف الجميع، عام وصول البعث الدموي بقطاره الامريكي للسلطة منقلباً على الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم. هذا الحزب الذي سيجد الشيخ علي نفسه معارضاً شرساً له منذ ثمانينات القرن الماضي، وسيلعب الرجل عقب احتلال الكويت دوراً اعلامياً في فضح ممارسات نظام الاجرام القابع في بغداد، الى الحد الذي سيدهش الجميع في عام 2002 من قيام الفضائية العراقية انذاك بعرض اعترافات او براءة من عائلة الرجل المقيمة في العراق منه بعد أن شن هجوماً غير مسبوق على زعيم المافيا الأكبر صدام واصفاً اياه بأنه " أفظع وأول ارهابي في العالم" عبر برنامج قناة الجزيرة الشهير " الاتجاه المعاكس". وهو ما ولد تضامناً عالمياً غير مسبوق مع الرجل الذي اعتبر ضحية لمعارضته السياسية للنظام البائد. لم يكن التغيير الذي جرى في 2003 بعيدًا عنه، ولكنه وجد نفسه معزولاً عن السلطة الجديدة، بعد ان ظل واقفاً في تلك المحطة دون ان يلتحق بأحد الاحزاب الكبرى التي اقتسمت مجلس الحكم الانتقالي، وفضل الرجل أن يبقى بعيدًا عن الأضواء مؤقتاً، ولتدور عجلة الزمن سريعاً، الا أنه رفض العيش في زوايا النسيان ليعود عبر مقابلات تلفزيونية صاخبة منذ عام 2010، بوصفه معارضاً هذه المرة لصديقه وزميله المعارض السابق نوري المالكي، متحدثاً عن جمهورية حمودي في اشارة الى ما كان يحكى عن نفوذ نجل المالكي وتحكمه في مفاصل الدولة، وبقي الرجل مثيراً، ترغبه وسائل الاعلام المتضامنة سراً ضد المالكي، ينتقل من فضائية الى أخرى، ومن منبر الى  أخر حاملاً كل الحمولة التاريخية من النقد والهجاء السياسي التي خبرها، مهاجماً ذات اليمين وذات الشمال، حتى أنه اثار موجة جدل واحتجاج صاخبة حينما هاجم رجل دين بارز انذاك يدعى " عبد الحميد المهاجر" واصفاً اياه بالمشعوذ، مطلقاً عليه لقب "حمودي جكليته" مما تسبب له بمضايقات، الا أنه مضى في طريق النقد بمختلف صنوفه. في العام 2014 سيجد أن الاجواء مهيئة للعودة الى الاضواء السياسية، راكباً هذه المرة سفينة " المدنية" بعد أن تحالف مع الحزب الشيوعي العراقي عبر حزب شكلي يدعى " حزب الشعب" وليظفر بأصوات الشيوعيين والمدنيين والغاضبين من الوضع السياسي، وليمارس هوايته او قل وظيفته هذه المرة تحت الحصانة النيابية، مستغلاً حالة النقمة الشعبية من الفشل والفساد اللذين استشريا بشدة في مفاصل الدولة الضعيفة بسبب الانقسام السياسي والتدخلات الخارجية. في 2018 سيلعب الرجل لعبة المدنية مرةً اخرى، لكن هذه المرة بعيداً عن الحزب الشيوعي وحلفائه المدنيين، ليخاطب " العركجية والقندرجية ..." مدعياً انه خير من مثلهم ودافع عن حقوقهم في تناول المشروبات وغيرها من الادعاءات مما جعله نجماً في الفضائيات العراقية، وروج له بوصفه مادة للتندر السياسي، ولعل الرجل يدرك أهمية الاثارة في وسائل الاعلام، وكيف تضمن لصاحبها الانتشار السهل المريح، وبالفعل حقق مقعدًا له بعد ان تزعم تحالفاً شكلياً هو الأخر، يدعى " تمدن"، وراح الرجل يمارس هوايته مجدداً، لكن هذه المرة رفع من جرعة الجرأة والنقد، ليتجرأ على القول أن " حذاء البكر اطهر من السياسيين الحاليين"، مما تسبب بموجبة غضب سياسي غاضب، لا يزال يواجه بسببها خطورة رفع الحصانة النيابية عنه، واحالته للقضاء بتهمة خطيرة هي الترويج للبعث المقبور، لكنه لا يكف عن الاثارة، فقد ذهب بعيداً الى دعوة الناس الى مقاطعة صلاة الجمعة، بدعوى أن رجال الدين منتعشون، ويعيشون منعمين، فيما المصلون فقراء معدمون! الشيخ علي نموذج سياسي فريد في العراق، ولا نعني بكلمة "فريد" بأنها نوع من المديح أبدًا، الفرادة هنا بمعنى انه ظاهرة لذاته، يعرف جيدًا كيف يكون شعبويًا، يستثمر حالات الغضب غير الواعي، أو يخاطب الدهماء مركزاً على عاطفة ونزعة اللا سلطة الكامنة في الشخصية العراقية، المائلة الى الفوضى والصراع والتقاذف، والباحثة عن الفضائح واحاديث الوشايات وغيرها. للرجل الكثير من المواقف الجيدة، فهو أشجع من تحدث أمام الكاميرات عما يريد أو يفكر دون خوف أو إحتساب لردة فعل، إنه يجمع بكلتا ضفتيه بين الشجاعة والتهور، وكثيراً من الصراحة المفرطة حد الحماقة، لكن الشيء الذي يحسب له، أنه يقول الكثير مما يسكن قلوب الناس  ولم يستطع أحد غيره قوله، رغم ان عليه الكثير من المأخذ الكبيرة كما يقول مراقبون، لكنه على أي حال سيظل ظاهرة ينبغي دراستها نمطياً واسلوبياً لمعرفة أي نوع من النواب يجلسون تحت قبة مجلسنا العتيد.

علق هنا