شاعر عراقي يكتب رأيه في النشيد الوطني المقترح (عراق القيم) ..

بغداد- العراق اليوم:

النشيد الوطني .. إلى أين..؟

بقلم .. احمد ماضي

الكل يعلم اليوم ما هو النشيد الوطني، ومتى يستخدم. وربما لدى البعض معرفة بتاريخه وبداياته. ومع موجة السجالات والجدالات، التي ترافق موضوعة النشيد الوطني العراقي، وتداعياتها على المستوى السياسي والاعلامي، والاجتماعي كذلك. أود أن أدون من خلال هذا المقال.. ذاكرة سريعة عن النشيد الوطني بشكل عام، والعراقي بشكل خاص.. بداية .. أول دولة استخدمت النشيد الوطني، هي هولندا. وكان ذلك عام 1568 أبان الثورة الهولندية. وتثبت بعض الوثائق، ان الدولة العثمانية، استخدمت النشيد الوطني منذ القرن الرابع عشر. ولكن.. لم يكن معتمدا بشكل رسمي. يشجع على تدوينه وتثبيت بدايته. ولم يصبح للدولة العثمانية، نشيد وطني رسمي. حتى عام 1844 خلال فترة حكم السلطان محمود الثاني. نشيد (الزحف المجيدي). اما عربيا .. فتعتبر مصر أول دولة عربية، اعتمدت النشيد الوطني. وكان بدايته سلام وطني. أي عزف فقط عام 1869فترة حكم الخديوي اسماعيل. وقد وضع لحنه الموسيقار الايطالي (فيردي). حتى عام 1923 أصبح نشيد (أسلمي يا مصر) تأليف مصطفى صادق الرافعي، وألحان صفر علي. وبعد قيام ثورة 1952 تم تغير النشيد، وأصبح نشيد (كنت في صمتك مرغم) هو النشيد الوطني لمصر. بعد إعلان الجمهورية. وهو من كلمات الشاعر كامل الشناوي، وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب. حتى عام 1960 اصبح نشيد (والله زمان يا سلاحي) كلمات صلاح جاهين، باللهجة الشعبية المصرية.  وألحان كمال الطويل، وغناء أم كلثوم. هو السلام الجمهوري مستخدم كلحن بدون كلمات. حتى عام 1979 وقد استخدمه العراق ايضا، في فترة زمنية. وهذا ما دعاني إلى السرد قليلا بتاريخ النشيد الوطني المصري. وبعدها تم تغير النشيد الوطني المصري، إلى نشيد (بلادي بلادي) الذي كتب كلماته، الشاعر يونس القاضي. متأثرا وقتها في خطبة لمصطفى كامل، حوت بعض مفرداته. ولحنه سيد درويش. وكان يستخدم في حينها كنشيد وطني شعبي ليس رسمي. أعاد توزيع لحنه وصياغته الموسيقية الموسيقار محمد عبدالوهاب. واصبح هو نشيد مصر عام 1979 وإلى اليوم. أما بخصوص النشيد الوطني العراقي. بعد قيام الدولة العراقي عام 1921 لم يكن للعراق نشيد وطني ولا سلاما ملكيا. حتى عام 1924 أعلن عن مسابقة رسمية، شارك فيها كبار من الموسيقيين والملحنين. وفاز بالمسابقة موسيقار عسكري بريطاني (الميجر جي موري). وبقي هذا السلام يعزف بدون شعر حتى عام 1958. وتم تغيره مع ثورة عبدالكريم قاسم. ووضع لحن جديد من قبل ملحن عراقي مسيحي، مقيم وقتها في النمسا (لويس زنبقة). وقد لحنه ووزعه موسيقيا، وسجله مع جوق موسيقي نمساوي، وأرسله كهدية لعبدالكريم قاسم، من خلال السفارة العراقية في النمسا. وأعتمد كسلام جمهوري رسمي. وأيضا بدون شعر، حتى عام 1963. تم تغير السلام الجمهوري، واستخدم النشيد الوطني المصري (والله زمان يا سلاحي) والذي كان لفترة هو نشيد الجمهورية العربية المتحدة مصر وسوريا. ولأن العراق كان ضمن مشروع الوحدة العربية حينها اعتمد هذا النشيد حتى عام 1981. وقتها أعلن عن مسابقة لإعادة كتابة وتلحين النشيد الوطني. وقد شارك عدد كبير من الشعراء والملحنين، العراقيين والعرب، وحتى الاجانب في اللحن. وبعد وصول الاعمال إلى اللجنة، تفاجئ الجميع بصدور مرسوم جمهوري، باعتماد نشيد (وطنٌ مدى على الأفق جناحا) من كلمات الشاعر العراقي شفيق عبدالجبار قدوري العاني. المعروف بشفيق الكمالي ـ المولود في سوريا، ولذلك يتصور البعض أنه سوري ـ .  وألحان وليد غليمة اللبناني. ولكن اللحن وقتها، تعرض للكثير من النقد. مما أضطر اللجنة المعتمدة للنشيد في رئاسة الجمهورية حينها، بأرسال وفد خاص إلى لندن. وتمت أعادة صياغة اللحن وتوزيعه، بشكل جديد اعتمد حتى عام 2003. بعدها تم تغير النشيد الوطني، وأصبح نشيد (موطني) وهو من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان، وألحان محمد فليفل اللبناني. هو النشيد الوطني الرسمي للعراق. حتى عام 2012. أعلن عن تغير النشيد الوطني في حينها. وكان بالنية أن تكون قصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري (سلام على هضبات العراق) هي النشيد الوطني. ولكن لم تعلن أي نتيجة من حينها ولليوم. وهنا أريد أن أقف مع المقترحات الجديدة للنشيد الوطني. أولا مع نشيد (موطني) الذي كتبه الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي. وحسب ما يقال أنه كتب عام 1930. والذي أعتمد كنشيد وطني للعراق منذ عام 2003.. وحين نقف على نص النشيد شعرياً. نكتشف فيه الكثير من المفردات والجمل، التي لا تترجم ما يصبوا أليه العراقي، بشكل عام وما ينمتي له، من تاريخ وحضارة وما شابه. النص مشحون بمفردات لا تؤهله ان يكون نشيدا وطنيا أبداً. هو عبارة عن مجموعة امنيات. للخلاص والتغير لا أكثر. تجد مفردة العبودية والنكد، والذل المبطن، والخوف من المجهول. وأمنية أن يأتي يوم، ترف فيه راية على وطن، مستقل لا محتل وغيرها.. وهذا حينها صحيح وضمن مدار النص. فهو كتب عن فلسطين وواقعها وما تحتاجه. ولم يكتب كمشروع نشيد وطني. بل قصيدة ونص شعري وطني، ترجم من خلالها شاعره واقعه المعاق لليوم. ولحنها الملحن اللبناني محمد فليفل عام 1934. ولم يكن في يوم من الايام نشيد وطني فلسطيني رسمي. بل هو نشيد وطني شعبي.. لا غير. اما النشيد الوطني الفلسطيني الرسمي فهو نشيد (فدائي) كلمات الشاعر الفلسطيني سعيد المزين، وألحان الموسيقار المصري علي اسماعيل. وكان ذلك عام 1965. واعتمد كنشيد وطني رسمي عام 1972، ولليوم. فما الداعي أصلا من استخدامه كنشيد وطني عراقي..؟ في الوقت الذي فلسطين نفسها، لا تعتمده رسميا، بل هو انشودة شعبية. اما بخصوص المقترح من الاناشيد.. فمن بين اكثر الاناشيد التي اتسع صيتها، أن تكن هي النشيد الوطني الرسمي للعراق. هو نشيد (عراق القيم) الذي كتب كلماته الشاعر العراقي أسعد الغريري، ولحنه الموسيقار كاظم الساهر.. وكان ذلك تقريبا مع نهاية حكم صدام. بعد ان اطلقت مسابقة لتغير النشيد الوطني، وشارك عدد من الشعراء عام 2002 تقريبا. وكان من بين اهم النصوص المشاركة هو نص (عراق القيم). وحين نقف عليه شعرياً كذلك، نجد أن النص تركز على الصبغة الإسلامية، أكثر من غيرها. بل لا توجد إشارة حقيقية لغيرها. وهنا مشروع نشيد وطني، وليس موشح ديني. ونلاحظ ذلك من خلال مفردات، الصوم، الحج، الصلاة وما شابه. قد يكن فيه جمل شعرية جيدة، ولكن ليست للحد الذي تجعلك، تعصب العين عن غيرها من النصوص. أضف إلى ذلك أنه كنص ولحن، أشبه بأن يكن مرفوضا، من قبل العديد. لأن كاتبه يعتبره البعض، شاعرا صداميا أكثر من كونه شاعرا عراقيا. وملحنه كذلك يعتبره البعض، انه من بطانة النظام السابق. رغم ما وصل أليه عربيا، وعالميا. وفوق ذلك النشيد ضمن مسابقة، من أيام النظام السابق. وهذا كله وغيره، يجعل هذا النشيد بعيد عن حلبة الاختيار. اما مقترح قصيدة (الشمس أجمل في بلادي..) والتي هي بالأصل قصيدة، غريب على الخليج للشاعر بدر شاكر السياب. فهي قصيدة وجدانية وليس وطنية. قصيدة يترجم بها الشاعر، حنينه وألمه، وشوقه لوطنه وحبيبته، وأهله وما يتمناه. القصيدة عبارة عن رسالة شعرية، تسرد واقع كاتبها ومعاناته، وتحمل بين أشطرها امنية الأمان والعودة. ليس فيها ما يجعلها، ترقى لتكن نشيدا وطنيا. علما ان هذه القصيدة قد لحنها الملحن البصري طالب غالي ـ رغم التعكزات الواضحة في اللحن ـ وغناها الفنان البصري فؤاد سالم. في منتصف التسعينات وتم تسجيلها حينها، في استوديو القاهرة. ويعتبرها البعض سمفونية البصرة، أو السمفونية البصرية. لأن شاعرها وملحنها ومغنيها، من البصرة. وبالنتيجة حين نعود إلى النص شعريا، لا نجد فيه ما يشجع لأن يكن نشيدا وطنيا. لغته بعيدة عن لغة الانشاد، وما يحتاجه النشيد، من مادة شعرية، ومفردة وجمل خاصة به. لكي يحقق المبتغى منه كنشيد وطني. وأيضا من القصائد التي رشحت لتكن نشيدا وطنيا هي أبيات للجواهري. تم اختيارها من قبل رواء الجصاني. من اكثر من قصيدة للجواهري. وقدمت عام 2008 كمقترح، للنشيد الوطني، من قبل مركز الجواهري في براغ. وبقي المقترح حتى عام 2012. وهنا نحاول أن نقف على هذه الابيات، ونرى مدى صلاحيتها لتكون نشيدا وطنيا، للعراق اليوم. وقبل ذلك نقول، أنه لا يختلف أحد على شاعرية الجواهري، وقامته الأدبية الكبيرة. ولكن ما نطرحه هو بخصوص الابيات المختارة من قصائده كنشيد. الابيات التي تم اختيارها هي ثمانية أبيات. ثلاثة ابيات من قصيدة المقصورة. التي كتبها الجواهري عام 1947. وثلاثة أبيات من قصيدة مفاتيح، التي كتبت تقريبا عام 1951 او قبل هذا التاريخ بقليل. والبيتين الاخيرين لم أجد النص الأصلي لهما. فلا ادري هل هما من قصيدة واحدة للجواهري. أم كل بيت من قصيدة؟ لان البيتين مطلعان. كل واحد منهما يمكن أن يكون مطلعاً لقصيدة. وعلى العموم.. فالابيات حين نقف عليها نجد، الابيات الثلاثة الأولى من قصيدة المقصورة، التي تكلم عنها الجواهري والعديد من النقاد في مناسبات عديدة. تبين أن القصيدة ذاتية وليس وطنية. فقد ذهب الاستاذ الدكتور عناد غزوان في مقال نقدي له، عن القصيدة. إلى أن القصيدة مقيدة، بين انا المتكلم وأنت المخاطب. لذلك فهو يجدها ـ وهذا هو الذي لمسته ـ كأنها مونولوج داخلي، يترجم مدى الصراع الخاص بالشاعر، ورؤيته الخاصة حول الواقع المحيط به. بمقياس سياسي أو وطني ذاتي، وليس جمعيا او عاما مطلقا للحد الذي يصبح فيه الشاعر داخل النص هو البطل ـ بطل الحدث الآني حينها ـ . وإن تمت محاولة اختيار ابيات، تشعر السامع انها بعيدة، عن الجو العام للقصيدة. أما الابيات الثلاثة الثانية، فهي مأخوذة من قصيدة (مفاتيح المستقبل) التي كتبها الجواهري عام 1951 تخليداً لعدد من قادة الحزب الشيوعي العراقي، الذين تم اعدامهم عام 1949 ولم تكن القصيدة الوحيدة. والتي قرأها في مؤتمر المحامين في عام كتابتها في ذكرى اعدامهم. وايضا اختيار الابيات، محاولة لتدوير حقيقة النص وجعله خطابا عراقيا بحتا. فكيف يمكن جعل ابيات من قصيدة خاصة بأفراد نشيداً وطنياً مع جل احترامنا لشهادة هؤلاء المناضلين الابطال..؟ وبشكل عام نجد ان الابيات المختارة لتكن نشيدا وطنيا بقلم الجواهري، لا تتكلم عن العراق كتاريخ، وحضارة، وإنسان، وأرث، ورموز ومعالم. بل تتكلم عن مرحلة ومحطة، ورؤية وقناعة خاصة.. وأفراد ومفردات فقط. وفي لحظة حدة النقاش والحوار حول النشيد الوطني في مجلس النواب وغيره. قفز لساحة السجال مقترح، على ما أذكر انه قدم من قبل الاستاذ فاضل ثامر، الذي كان حينها رئيس اتحاد الادباء في العراق. بترشيح اكثر من قصيدة، لأكثر من شاعر عراقي راحل.. او اختيار بيتا شعريا او اكثر من تلك القصائد. من اجل الخروج من هذه الازمة، التي شكلت عائق عجيب وغريب، يثبت للعاقل، مدى العوق الذي يعانيه الشارع العراقي اليوم. بسبب المحاصصة السياسية، والتي امتدت بفيروساتها للثقافة والادب. للحد الذي وصل إلى مطالبة بعض النواب، من غير العرب. أضافة أشطر شعرية بلغاتهم ـ الكردية ، التركمانية ، الشبكية ـ وربما غيرها. لان هذا يشجع الغير مهما كانت أقليته، او عدم اهميته. فمثلا.. لماذا لا تكن ضمن النشيد، أبيات شعرية شعبية.. واللهجة الشعبية لها تاريخها، ومتداولة وسبق وأن استخدمت من قبل بلدان اخرى..! ومع جدية المقترح المقدم من رئيس اتحاد الادباء. إلا أنه جوبه برفض من وسط الاتحاد نفسه، ومن الكثير من الشعراء. فالعراق اليوم ـ ومنذ ولادته ـ صومعة للشعر والشعراء. فلماذا العودة للماضي..؟ هل لا يوجد شعر اليوم.. هل لا يوجد من يكتب بمستوى القصيدة الماضية..؟ وغيرها من التساؤلات المقبولة صراحة. من ذلك كله يبدو ان نصيب طوقان، وقصيدته الفلسطينية، ولحن فليفل هو الأوفر. واني حين شرعت بكتابة هذا المقال، خطر في بالي أكثر من مقترح. ولكن لا أريد أن أدون الأرجح بينها لدي هنا بين هذه الأسطر. حتى لا يضيع مع غبار السجال المتعالي اليوم. وأضع قلمي على ورقة بيضاء، للقادم حول هذا الامر الذي أشم فيه عطباً شعبيا جديدا. لا اتمناه ولا أرتضيه. على مدى مساحة حريتي العراقية اليوم.

علق هنا