البحث عن لقمة العيش يدفع نساء العراق لأحواض ملح قاتلة!

العراق اليوم - ذي قار: 

وجدت ام علي ذات الخمسين عاماً نفسها مجبرةً على حين غرة، لإعالة نفسها وثلاثة أولاد أقعدهم المرض عن العمل، بعد ان فقدت معيلها في إحدى حروب العراق المتعددة، كما تقول هي للجزيرة نت،حيثُ اضطرت بعد عناء ان تحترف مهنة جمع الملح من الارض "السبخة" هي ورفيقاتها، ومن ثم تصفيه وبيعه في الاسواق المحلية لقاء اثمان زهيدةً جداً.

ام علي التي تسكن في قضاء قلعة سكر، احدى اقضية محافظة ذي قار (380) كم جنوب العاصمة بغداد،  رسمت ملامح الشقاء على وجهها شقوقاً وتجاعيداً واضحةً للعيان، فضلت ان تخفي وجهها عن عدسة الكاميرا، لتروي قصتها وقصة العشرات غيرها، من نساء جنوب العراق اللواتي يقاسينَ الحاجة والفاقة، وسط عجز الحكومات المتعاقبة عن توفير ابسط مقومات العيش الكريم، كما تقول .

ام علي تخرج منذُ ساعات الصباح الباكر، تحملُ معها مجرفة صغيرة، بالإضافة إلى فأس صغير، وعدة اكياس، تبدأ بالقرب من البحيرات الجافة عملها بجمع ما ترسبه المياه من ملح، والى انتصاف النهار تكون قد جمعت كمية لا بأٍس بها ليبدأ دور جمع هذه الاملاح في اكياس ومن ثم نقلها الى اماكن اخرى جافة، لتتم عملية الغسل والتجفيف، تمهيداً لنقلها للسوق المحلية لبيعها.

وتشير الى انها تبيع ما يقارب الـ 50 كغم بمبلغ لا يتعدى العشرة الاف دينار عراقي، اي ما يعادل الثمانية دولارات امريكية.

ام علي التي اكل الملح يديها، لا تزال تأمل ان تلتفت الحكومة المنشغلة هذه الأيام بموجة الاصلاحات اليها، وتنتشلها هي واولادها المرضى من هذا الواقع البائس.

فيما تقول ام سعيد وهي من سكنة ناحية النصر شمالي محافظة ذي قار،أنها تمهتن هذه المهنة منذ اكثر من خمسة عشر عاماً تقريباً،وتعيل نفسها وعائلة ابنها المتزوج ايضاً، وتشير الى ان هذه المهنة لا تدر شيئاً ذا قيمة، ولكن في ظل انعدام فرص العمل، وفي ظل عدم وجود رعاية حقيقية من الدولة، فأن هذا الخيار هو المتاح امامها وامام الكثيرات غيرها .



ام سعيد مصابة بعدة امراض جلدية، ومنها الحساسية، وغيرها، وتعرف ان العمل في هذه المهنة هو سبب دائها، ولكن تحرك راحتي يديها فوق بعضهما دلالةً على اليأس، ان لا خيار امامها سوى الاستمرار بالعمل حتى ولو كلفها ذلك الكثير من صحتها البدنية.

وعما تجنيه ام سعيد تقول ان مدخولها الشهري لا يتجاوز المائتي دولار امريكي، هذا اذا عملت طوال شهر كامل.

وعن موسم هذه المهنة، تقول انها تزدهر بعد انتهاء فصل الشتاء بالنظر لبدء عملية جفاف البحيرات المتكونة من مياه الامطار، ولذا تجد ان هذه الحقول الملحية مزدهرة بالكثير من النساء اللواتي يبدأن بالتنافس لجمع اكبر كمية من الملح لبيعه في السوق المحلية.

وتشير الى انها كانت قبل 2003 تمارس ذات المهنة، وكانت تدر ارباحاً اعلى من الان، بالنظر للحصار الاقتصادي المفروض انذاك على العراق، وشحة المواد الغذائية، ولذا كانت العوائل مجبرة على استخدام هذه الاملاح للطعام، لكن بعد 2003 تراجع الاقبال كثيراً على طلب هذه الاملاح، واقتصر تقريباً على بعض اصحاب المعامل الصناعية وغيرها.

هذا وتحتل محافظة ذي قار المركز الرابع من حيث عدد السكان في البلاد، فيما تحتل المركز الثاني بين اكثر المحافظات العراقية فقراً، بعد محافظة المثنى.



ووفقاً لأخر إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الانمائي العراقية، فأن معدلات الفقر ارتفعت في العام 2014 الى 30%  بعد ان كانت بمعدل 19% نهاية العام 2013.

فيما يقول مدير  دائرة عمل ذي قار، ان محافظته  سجلت ما يقارب المائتي الف عاطل عن العمل في المحافظة التي يقطنها ما يقارب المليوني نسمة، ويتوقع ارتفاعاً كبيراً في نسبة الفقر بسبب سياسات التقشف الحكومية التي اتبعتها حكومة حيدر العبادي نتيجة لانخفاض اسعار النفط المصدر الرئيس للموارد المائية للبلاد.

وتشير الى احصائيات اخرى الى وجود ما يقارب الخمسة ملايين ارملة ومطلقة في البلاد، او ممن لا يجدن معيلاً لهن ولأسرهن.

 

 

علق هنا