الصحافة الأمريكية التي لا يعجبها عجب، تبدي اعجابها بإعلام وزارة الدفاع العراقية

بغداد- العراق اليوم:

هذا زمن الصورة، هذا زمن اللقطة الڤيديوية المقتضبة التي من شأنها ان تطيح بجيوش جرارة، أو تحول جماعة منبوذة ملثمة الى جيش يشبه الجراد، يقضمُ المدن دون أن يستطيع احدُ ايقافه، أنه زمن "الميديا"، لا انه زمن السوشيل ميديا التي تجاوزت زمن الإعلام التقليدي، وأنهت دوره الى الأبد، بعد ما حولت الوسيلة الإعلامية الى سلعة مشاعة بيد الجميع، ولم يعد باستطاعة احد احتكار تدفق المعلومات او ضبط انتقال المحتوى ابدًا فالكل اصبح اليوم يملك وسيلته الإعلامية، السلطة ومعارضتها على حد سواء، وما بينهما المواطن الصحافي، وفئة في الظلام تحشد قدراتها خلف ازرار  ولوحات ناعمة لتضخ ما تريد من فكر، معززًا بصورة ما، او فيديو ما لتدير معركة التوحش ضد جميع الاطراف، فتكسب، لا لأنها اكثر ذكاءًا من الجميع، بل لأن ثمة بيروقراطية متكاسلة تسيطر على امكانات الدولة، وتقوض المساعي كلما عزم اصحاب القرار بدواعي، ومبررات لا تصنف الا تحت بنود الـ لا مسؤولية والتهاون قد يصل للتواطؤ.

من هناك يمكن فهم طبيعة المعركة، فبعد ٢٠١٤ كتب محلل غربي عن ظاهرة سقوط المدن العراقية، وكأن قطع الدمينو بيد عصابات ملثمة لا يتجاوز عديدها الألف، ان ما حدث في العراق لم يكن الا معركة حسمت فوق ازرار ولوحات الحواسيب، والألواح الالكترونية، وانتهت بكارثة.

كان وصفًا دقيقًا، فلم تفعل داعش أكثر من ادارة فعالة لمواقع تواصل اجتماعي متاحة بشكل مجاني للجميع، استثمرتها هي، وظنتها السلطات انها مجرد مواقع لتسلية الصبيان، والباحثين عن ملئ فراغات وقتهم الرتيب.

لم ينتبه أحد الى ما كان يجري على تلك الارض الافتراضية، وذلك العالم الفسيح الهائل، الا بعد وقوع الكارثة ولكن ان تصل متأخرًا، خير من ان لا تصل ابدًا، وهنا تغيرت الستراتيجية الحكومية، وأوليت هذه المواقع اهميةً قصوى، فكان ان لمس الجميع، ان ثمة تدفق معلوماتي متقن بدأ بالظهور لمواجهة الطوفان الداعشي، بدأنا نشهد لأول مرةً تفاعلاً سريعًا مع الحدث من جهات حكومية واضحة، وهي تنقل لنا ما يحدث، وتتفاعل مع ما يطرح عنها، وترد على ما يرد إليها.

كان ذلك واضحًا وبشكل جلي في وزارة الدفاع التي جهزت على ما يبدو فريقًا الكترونيًا كان على قدر المسؤولية، وحجم المهمة التي اوكلت اليه، فكنا نرى ان قنابل "السوشيل ميديا" تدك حصون داعش، كما تدكها قنابل الـ أف ١٦ والابرامز، وكنا نشهد ونشاهد التقدم على الارض متساوقًا مع تقدم في الفضاء الافتراضي. حد ان محتوى رقمي قدمته وزارة الدفاع وفريق اعلامها النشط، اطاح بكل ما انتجته آلة داعش الاعلامية، واوقفت تلك المقولة ان تنظيمًا مرعبًا لا يهزم كان في الجوار.

مراقبون كانوا يقرأون كل شاردةً وواردةً عن الحرب، كانوا يلحون على مقولة ان الحرب على الارض يجب ان ترافقها حرب على الفضاء الالكتروني، كانوا محقين تمامًا فيما يقولون، واستطاعت الجهات الرسمية في العراق وبالخصوص وزارة الدفاع من احداث هذه التؤامة المنشودة فكنا امام انجاز مدهش.

انجاز دفع الصحافة الامريكية التي ترصد كل صغيرة وكبيرة عن الحرب على داعش، الى ان تثني على دور اعلام الحكومة العراقية وبالخصوص وزارة الدفاع في مواجهة دعاية داعش السوداء، وايقاف زحفها على الفضاء الالكتروني، بل ونجاحها في تكبيد داعش خسائر كبيرة في الواقع الافتراضي، تقارب ما تحقق على الارض، حيث دمرت مواقع التنظيم وحساباته وحتى المؤيدين له، فأنهيت وازيلت بشكل نهائي.

لقد كشف تقرير لموقع “سمول وار” الامريكي، أنه في الوقت الذي تحسنت فيه القدرات القتالية للقوات العراقية بعد عام 2014 والذي تجسد في الانتصارات التي تحققها القوات الميدانية على الارض الحربية، كان القليل فقط قد ناقش جهود الحكومة العراقية، وقدرتها على التكيف في المجال الرقمي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وذكر التقرير الذي ترجمته الوكالات / أن "لوزارة الدفاع العراقية صفحةً في موقع التواصل فيسبوك منذ عام 2010 الا انها لم تكن نشطة حتى عام 2014، فالبحث في الصفحة لا يشير الى أي نتاج قبل عام 2014 كما أن وزارة الدفاع العراقية لم يكن لديها حساب على موقع يوتيوب حتى كانون الاول من نفس العام، مما يشير الى ان وزارة الدفاع لم تكن تركز منذ وقت طويل على تطوير صورتها في وسائل الاعلام الاجتماعية".

وبين التقرير أنه "في الوقت نفسه، عملت الجماعات المسلحة لاحتضان مواقع وسائل الاعلام الاجتماعية منذ سنوات، فقد أدركت هذه المجموعات في وقت مبكر أن مواقع مثل الفيس بوك وتويتر ويوتيوب هي منصات رخيصة ومريحة وفعالة لنشر الدعاية. لذلك عندما حقق داعش في بداية احتلاله لمناطق في العراق عام 2014، كانت أول استجابة للحكومة العراقية هي إغلاق شبكة الإنترنت في بعض مناطق البلاد".

واضاف أن "الخطوة الثانية كانت في تبني نفس تكيتكات عدوها للتنافس في المجال الرقمي، فبعد 10 أيام فقط من احتلال داعش على الموصل في حزيران 2014، بدأت الوزارة بنشر مقاطع فيديو قصيرة على فيسبوك. الأول هو تصوير لاجتماع بين زعماء القبائل والجنرالات العسكريين لمناقشة التهديد الإرهابي. وبعد بضعة أيام، نشرت وزارة الدفاع شريط فيديو على ما يبدو غير متحرر من الضربة العسكرية العراقية على أصول العدو بالقرب من مصفاة بترول بيجي."

وتابع "لقد جذبت هذه الأفلام الأولى أقل من 1000 مشاهدة، وفي الشهرين الأولين بعد أن بدأت في نشر مقاطع الفيديو، قامت الوزارة بتحديث وضعها كل يومين على الأكثر. ومنذ ذلك الحين، تزايدت وتيرة العمليات وتفاصيلها، اما في الوقت الحاضر، فتقوم الوزارة بتحديث مواقفها وتنشر صور جديدة عدة مرات في اليوم؛ كما تنشر حوالي 100 مقطع فيديو شهرياً، ويتم نشر العديد منها في حساب يوتوب أيضا. ويشير تزايد وتيرة عمليات وزارة الدفاع إلى أن رسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى أولوياتها العليا".

وواصل أن "شعبية الصفحة هي مؤشر على نجاحها، فهناك ما يقرب من 2 مليون مستخدم الفيس بوك يتتبع صفحة وزارة الدفاع العراقية، مما يجعلها أكثر شعبية من أي جيش عربي آخر على المنصة حتى الآن. ويتفاعل العديد من هؤلاء المستخدمين بشكل منتظم مع صفحة وزارة الدفاع؛ ففي كل عملية هناك العشرات إن لم يكن المئات من التعليقات من قبل الجماهير التي تعبر عن تأييد ساحق لقوات الأمن العراقية".

واذا كان وزير الدفاع عرفان الحيالي يرعى كما يبدو هذا النظام الفني والإعلامي المتقدم - وهو أمر يحسب له بامتياز- فإن الواجب علينا كإعلاميين عراقيين منحازين لبلدنا وعقيدتنا الاعلامية ان نسأل، وأن نبحث لكي نعرف أن خلف هذا الجهد والفهم الواعي، والإنتاج المتقدم يقف اشخاص مجهولون  يعملون خلف الستار، خاصة وانهم لا يظهرون لنا اسماءهم ولا صورهم، لذلك دعونا نقول لهم من بعيد  شكراً لكم ايها الزملاء الأعزاء، لقد اجبرتم الجميع على ان يعترف بمواهبكم وقدراتكم وانجازاتكم، وتؤكدون ان العقل العراقي عقل ديناميكي خلاق لا يتوقف عند موقع معين، ولا عند حد محدود، فشكراً لكم من القلب.

علق هنا