كيف نجح سعدون شاكر في قتل الرجل الذي عجز الموساد عن قتله؟ قصة اغتيال قائد الجبهة الشعبية على يد رئيس المخابرات الصدامية

بغداد- العراق اليوم:

سعدون شاكر محمود، واحد من أبرز رجال التنظيم السري لحزب البعث العراقي المنحل، وقد لعب خلال العقود الماضية دورا سريا مؤثرا في أحداث العراق و العالم أيضا، فهو لم يكن وزيرا للداخلية فقط، إعتبارا من عام 1979 بعد هيمنة صدام حسين على السلطة الأولى في العراق، بل كان عضوا نشيطاً وفاعلاً في الجهاز السري لحزب البعث (تنظيم حنين)! و كان من عناصر الحرس القومي او ميليشيا البعث في عام 1963 بعد الإنقلاب الدموي على نظام اللواء عبد الكريم قاسم، بل أن هنالك شهادات كانت تؤكد على أن سعدون شاكر كان يقتل الشيوعيين بدم بارد ومن ث م يلقي جثثهم في القبور المحفورة و المعدة لهم سلفا!

فضلاً عن أن سعدون شاكر كان أحد أفراد العصابة التي نجحت في إختطاف صدام حسين من أيدي سجانيه أيام كان معتقلا عام 1966 وحيث تم تهريبه من مطعم (تاجران) في شارع السعدون في بغداد!

 لذلك فقد عين سعدون شاكر بعد إنقلاب البعث عام 1968 مسؤولاً في  منظمة الحزب السرية  وفي جهاز العلاقات العامة الذي كان البداية الحقيقية لرئاسة المخابرات العامة، و التي تأسست تحديداً لإغتيال خصوم البعث ، ثم  توسع نشاطها بعد القضاء على تمرد مدير الأمن العام ناظم كزار عام 1973 ،  فنشط جهاز المخابرات العراقي الجديد برئاسة سعدون، يساعده في المهمة أخو صدام غير الشق (برزان) حيث تكفل هذا الجهاز بتعزيز سلطة حزب البعث و توسع و تضخم كثيرا حتى تحول لأقوى جهاز مخابرات في الشرق الأوسط،  و لربما بمستوى جهاز(الموساد) الإسرائيلي لإمكانياته المادية الواسعة و لحريته في الحركة والتصرف وفق ميزانيات مفتوحة. فقد إستطاع ذلك الجهاز وقتها من شراء العديد من المسؤولين الأمنيين في أوروبا الغربية من السويد والمانيا وإيطاليا، كما كانت شبكة جواسيسه واسعة للغاية،  وأياديه طويلة تطال من تشاء في الوقت الذي تشاء، فإغتالوا عبد الرزاق النايف رئيس الوزراء الأسبق في قلب لندن عام 1978 كما أستطاعوا تجنيد شبكة واسعة جدا من المتعاونين عبر العالم، بل أنهم إخترقوا منظمة التحرير الفلسطينية وساعدوا التنظيمات المنشقة،             وشغلوا العديد من المنظمات الإرهابية لحسابهم مثل جماعة فتح المجلس الثوري (أبو نضال) و جماعة الجبهة الشعبية عمليات الخارج بقيادة الدكتور وديع حداد و التي مارست عمليات الإغتيال و خطف الطائرات و حتى قتل المعارضين العراقيين في الخارج، كما حصل مع الدكتور توفيق رشدي الذي قتل في عدن أيام اليمن الجنوبي السابق عام 1978 و كذلك قتل مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت علي ياسين في نفس العام، وغيرها من العمليات الإرهابية الكبرى وجميع مفاتيح تلك القضايا يمتلكها المعتقل الحالي سعدون شاكر بإعتباره كان وقتها رئيسا لجهاز المخابرات العامة، بل أن الموت المفاجيء و السريع للفلسطيني وديع حداد كان بتدبير من سعدون شاكر شخصيا حيث دسوا له سم الثاليوم في الشاي مما أدى لتدهور حالته الصحية ووفاته بعد شهر من تسميمه أوائل عام 1978 أيضا حيث تحول لقطعة لحم مشوهة ومعطوبك بعد أن قصر طوله و تضاءل حجمه!!

و لم يسمح لأحد بفتح التابوت و مشاهدة الجثمان قبل أن يدفن على وجه السرعة في بغداد، وكان قتل حداد رسالة واضحة للإدارة الأميركية وقتها و كعربون ومقدمة على التعاون المستقبلي.

لقد كانت المخابرات العراقية تدفع لجماعة الفلسطيني وديع حداد مبلغ ربع مليون دينار عراقي شهريا أيام كان الدينار يساوي ثلاثة دولارات و نصف أمريكي أي ما يقارب المليون دولار من أجل تنفيذ الخدمات الخاصة جداً لصالح النظام العراقي، كما دفعت المخابرات العراقية لعدد من المسؤولين في إفريقيا دون تحديد الأسماء مبالغ وصلت لسبعة ملايين دولار مقابل الحصول على الإرشيف المخابراتي لإحدى الدول، فقد كانت فترة رئاسة سعدون شاكر للمخابرات العامة بمثابة العصر الذهبي لتلك المخابرات، إنه دون تردد أشبه بدور  صلاح نصر في المخابرات المصرية حتى عام 1967، و مع كل ذلك الدور التاريخي و العملي فإن أحداً من النظام العراقي الحالي لم ينتبه لذلك ،ولم تتم عملية عصر، وإستخراج المعلومات الخاصة جدا و التاريخية التي تنير درب من يريد أن يؤرخ لتلك المرحلة العراقية الحاسمة و الشديدة الخصوصية.

علق هنا